لماذا ارتفاع وفيات "كوفيد" في الأردن..؟

يسجل الأردن مؤخراً وفيات يومية من «كوفيد» بمعدل 70 وفاة يومياً. ويعني هذا أن مجموع الوفيات سيبلغ على هذه الوتيرة حول 2100 في شهر واحد. كما بلغ مجموع وفيات «كوفيد» في البلد حتى مساء الجمعة 5701. والأعداد مرشحة للزيادة، نظرياً، حيث يحذر المعنيون من خطر الاستنفاد الوشيك لأسرة المستشفيات وإغراق الكوادر والإمكانات الطبية.اضافة اعلان
بشكل عام، تعد أعداد وفيات «كوفيد» في الأردن مرتفعة بطريقة تستوجب التفسير أولاً، واعتماد الإجراءات الممكنة، موضوعياً، لإنقاذ الحياة. ومع أننا لا نعاني هنا بعض الأسباب التي يُحال إليها في الغرب كأسباب لكثرة وفيات «كوفيد»، مثل شيخوخة السكان والبدانة، فإننا نعاني كثرة أصحاب الأمراض المزمنة مثل السكري وارتفاع ضغط الدم وما شابه. ومع ذلك، ينبغي تفقد المتغيرات التي تحددها القرارات والاختيارات، في اتجاه المزيد من ترشيدها لإنقاذ الأرواح التي يمكن إنقاذها.
ترتبط أعداد وفيات «كوفيد» بعدد الإصابات بعلاقة طردية. وسيكون الفشل في الحد من انتشار المرض وانتقال العدوى سبباً رئيسياً لزيادة أعداد الوفيات. لكن هناك أيضاً نسبة الوفيات من مجموع الإصابات مقارنة بالمعدلات العالمية. وإذا كانت هذه النسبة عالية، فإن هناك متغيرات يمكن التحكم بها –نظرياً- والتي ينبغي تعقبها والتعامل معها.
في المتغيرات الذاتية التي تحدد إلى حد كبير أعداد الإصابات، فالوفيات، ثمة اختيارات الأفراد واختيارات صُناع القرار. وعلى مستوى الأفراد، تتأثر الحالة الوبائية وتداعياتها أولاً بظاهرة إنكار المرض، وبالتالي رفض الالتزام بالتوصيات المعروفة لتجنب الإصابة ونقل العدوى؛ أو حتى الاعتراف بالمرض، وإنما الاستخفاف بسبل الوقاية والتحايل لانتهاك القوانين الطبية والمؤسسية. وهذه وصفات أكيدة لزيادة الوفيات. ويشار إلى متغير خيارات الأفراد أحياناً باسم «الوعي المجتمعي». وإذا كانت مؤشرات هذا «الوعي» منخفضة، بدليل زيادة الانتشار والوفيات، فإنه سيحيل إلى خيارات تخص صانع القرار لسد الفجوة.
ومن حصة الأفراد في تفاقم الحالة الوبائية، فارتفاع أعداد الوفيات، التكتم على الإصابة سواء من حيث عدم الإبلاغ عنها أو التجول بحرية وبث العدوى بلا ضمير ولا مسؤولية. وهناك تأخر المصابين وأهلهم في الإبلاغ عن الإصابة الموجبة للعلاج المتخصص المباشر، خوفاً من دخول المستشفيات، وبالتالي زيادة احتمال الوفاة. ويأتي هذا الخوف إما من الانطباع السائد بأن دخول المستشفى قد يعني سلوك طريق بلا عودة، حيث يموت المرء وحيداً وليس بين أحبائه، أو من الشك في البروتوكولات العلاجية ونوعية الرعاية. وهناك مَن يروون قصصاً غير مشجعة يرويها بعض متعافي «كوفيد» عن تجربتهم في المستشفيات.
لا ينبغي استبعاد نوعية الرعاية وبروتوكولات العلاج وعدم توفر الكوادر والأدوات الطبية اللازمة من أسباب ارتفاع أعداد الوفيات. وعلى سبيل المثال، وليس الحصر، ذكرت طبيبة في مستشفى رئيسي على شاشة محلية بأنها كُلفت، مع طبيب أسرة، برعاية 50 مريض كورونا نصفهم مخطرون، ومن دون وجود استشاري الصدرية الضروري وجودياً لمراقبة مرض يصيب الرئتين بشكل أساسي. وهذه الأسباب الممكنة للوفاة تتعلق بالجهات الصحية الرسمية، لكنها تؤثر على اختيارات الأفراد أيضاً.
وهناك مسألة «التقدير الذاتي» للحالة المتبعة عندنا، حيث يقال للمريض خفيف الأعراض أن يحجر نفسه في المنزل ويتبع إجراءات موصوفة. ومن حيث المبدأ، يستحيل أن يقدر الإنسان العادي حقيقة إصابته بدقة بمرض غادر مثل «كوفيد19»، حيث لا يستطيع حتى الطبيب تقييمها من دون فحوصات وتحاليل وصور. ويتيح هذا الاختيار سبباً رئيسياً للوفاة من «كوفيد»: «نقص الأكسدة الصامت» أو «السعيد».
في هذه الحالة، لا يعاني المصاب ضيقا أو صعوبة في التنفس، ويكون «سعيداً» نسبياً بينما ينخفض الأكسجين بصمت في دمه وتتلف أجهزته من دون أن يشعر بشيء. وعندما تظهر عليه الحاجة إلى المستشفى يكون قد تضرر بطريقة يتعذر إصلاحها وفات الأوان. ومع ذلك، يلوم مسؤولو الصحة عندنا المواطنين على تأخرهم في الاستغاثة، بينما القصور الأصلي يتعلق بعدم توفير تقييم ومتابعة مختصين للحالات لتقرير بقائها في المنزل أو دخولها المستشفيات.
أخيراً، وليس آخرا قطعاً، عندما يوصي المختصون بأشكال من الحظر الشامل، كملاذ منطقي وحيد إذا ما أريد خفض الإصابات والوفيات وتجنب الدخول في دوامة كارثية، فإن اختيار صانع القرار عدم الأخذ بهذه التوصية أو تأجيلها، لأي اعتبارات، يعني حكماً التسامح مع خسارة أرواح إضافية كان يمكن إنقاذها.