لماذا استقال عبد الرزاق بني هاني؟

الدكتور عبد الرزاق بني هاني شخصية معروفة منذ كان موظفا في جامعة اليرموك في ثمانينيات القرن الماضي، حينما فصل من عمله وغادر إلى الولايات المتحدة، لاستكمال دراسته الأكاديمية هناك. اضافة اعلان
عاد بعدها للتدريس في الجامعة ذاتها، حتى جاء يوم وطلب منه شغل موقع امين عام وزارة التخطيط، عمل وقتها على التأسيس لفكرة بناء دولة معتمدة على نفسها بعيدا عن القروض والدعم والمساعدات الخارجية.
بني هاني تنبه باكرا لخطط تفكيك الدولة، وخاض من أجل ذلك معارك عدة، انتهت بخروجه من وزارة التخطيط، غادر بعدها ليكون مستشارا في رئاسة الوزراء، وظل كذلك حتى تم تعيينه مفوضا في هيئة الأوراق المالية، ثم رحل عنها ليصبح عضوا في هيئة مكافحة الفساد، حتى استقال منها أخيرا.
قصة بني هاني عادت من جديد لتدق ناقوس الخطر، وتجعلنا نلتفت لأخطاء قاتلة ما تزال ترتكب بحق الوطن، فالرجل لم يترجل إلا إدراكا منه أنه لم يعد يقدم شيئا ولم يؤد الدور الحقيقي المنوط به بعد فيما يتعلق بمحاربة الفساد.
ولربما تدعو استقالته إلى التفكير مليّا في مدى الاستجابة الرسمية لمطالب محاربة الفساد، ومدى توفر الإرادة في محاسبة الفاسدين الحقيقيين الذين لم يجرؤ أحد بعد على فتح ملفاتهم.
استقالة المسؤول الأكاديمي والخبير الاقتصادي وتركه للموقع العام الذي يؤمن كثيرا من "البرستيج" تقدم رسالة مهمة بضرورة الاستماع لما لديه من بيّنات، ليس لإنصافه بل لإنصاف الوطن الذي هدر الكثير من حقوقه وماتزال، وذلك نتيجة خوف البعض من طرق الأبواب الحقيقية لمحاسبة الفاسدين.
الذاكرة ما تزال تزخر بعدد من الأسماء التي ما تزال طليقة، وكلنا نعلم أنها فاسدة كونها قصدت مع سبق الإصرار والترصد تدمير بنية الدولة الاقتصادية بعد أن نهبت الخيرات وزعزعت أسس الاستقرار بناء على مخطط استراتيجي لتحقيق دمار في بنية الدولة، بدون أي رادع وطني أو أخلاقي أو تفكير في الأجيال المقبلة، واختبأت بعد ذلك وراء عشيرة أو نفوذ سياسي.
قصة استقالة بني هاني تختزل الكثير من الحكايات والأسرار والمحرمات، والتي لن يستقيم الأمر بغير حلها وحسم الخيارات تجاهها، خصوصا وأن طريقة التعاطي مع ملف الفساد حتى اليوم تتم بانتقائية، ولم يكن معيارها حتى اليوم محاسبة الفاسدين الكبار.
ما تزال عقلية كبش الفداء هي المعيار المسيطر في فتح بعض الملفات، وهذا معلوم للعامة قبل الخاصة، ودليل ذلك الاستمرار برفع شعار محاربة الفساد في المسيرات والاحتجاجات الأسبوعية.
تضخيم الحديث عن الفساد لدرجة مرعبة، كان بفعل الفاسدين أنفسهم وليس غيرهم، والهدف من ذلك خلط الحابل بالنابل لخلق حالة عامة تجعل الجميع فاسدين في هذا البلد، وحتى يضيع دم الحقيقة بين الأردنيين، ولا يعود الحساب أمرا ممكنا، ولتظل المزاجية هي المحدد الأساس لمن يمكن أن يحاسب ومن يجب غض الطرف عنه.
بني هاني دق جدار الخزان، وطالب بصراحة وبدون مواربة بإيقاع العقاب بمن نهب وسرق وتواطأ، حتى نمضي في الطريق الآمن الذي يحفظ الأمن الوطني، ويساعد على حفظ استقرار هذا البلد، حتى لا نبقى نساهم ومن حيث لا ندري في هدم ما بناه الآباء والأجداد، ونسهم بتدمير ممنهج نجد أنفسنا بعده في فراغ ما بعده فراغ.

[email protected]