لماذا التأخر عن السداد؟

سلامة الدرعاوي

أتفهم جيداً أن بعض الالتزامات الحكوميّة تجاه القطاع الخاص تتأخر لحين إقرار قانون الموازنة، لأن مشاريعها مرتبطة بالمخصصات الرسميّة للوزارات مثل الأشغال والصحة وغيرهم من الوزارات التي تطرح عطاءات مختلفة ويتم تنفيذها دون دفع مباشر لمستحقيه من الشركات إلى حين توفر المخصصات الماليّة العامة.اضافة اعلان
لكن لا أفهم لماذا يتم تأخير دفع مستحقات القطاع الخاص بمختلف أصنافه من قبل المؤسسة الاستهلاكية المدنية التي تحصل على سلع ومنتجات بملايين الدنانير من القطاع الخاص، ويتم تأخير دفع مستحقاته لعدة أشهر يصل في بعضها ما بين 7-9 أشهر، مما يرتب أعباء ماليّة كبيرة على القطاع الخاص الذي يبرمج خططه وتسهيلاته المصرفيّة والتزاماته تجاه الموردين له لمدخلات الإنتاج على مدى تدفق السيولة لديه وتوفرها بالوقت المناسب.
المؤسسة المدنيّة ليست دكانة في حارة او قرية تبيع بالدين وتسجّل بالدفتر لمستهلكيها، بمبيعاتها مباشرة للمستهلكين بكل مستوياتهم وتأخذ نقداً ولا تداين أحداً فلماذا التأخير؟.
قد يقول قائل انه لا يتوفر لديها السيولة المباشرة للدفع، لكن في الحقيقة هي تبيع مباشرة ومبيعاتها تنمو من شهر لشهر بشكل إيجابي كبير، مما يعني توفر سيولة نقديّة دائمة لديها، ولا يوجد أي مبرر للتأخير أبداً، وقد يقول قائل انها تستفيد من تلك السيولة لتحقيق أرباح في الفوائد لدى ايداعها بالجهاز المصرفيّ، وهذا أمر ان كان صحيحا فهو لا يجوز أبداً لاعتبارات عديدة أنها مخالفة للأهداف الرئيسة للمؤسسة المدنية.
حتى الشركات التي تُشكّل قصص نجاح كبيرة على المستوى الوطني تعاني الأمرين من التأخر الكبير من قبل المؤسسة الاستهلاكية المدنية في دفع التزاماتها لتلك الشركات نتيجة الضغوط الماليّة التي تتعرض لها بسبب نقص السيولة، في أوقات تحتاج فيه إلى كُلّ فلس حتى يتم دفعه تجاه التزاماتهم الماليّة المختلفة من رواتب وقروض وضمان وضرائب وجمارك وغيرها من الرسوم التي تشكّل عبئاً كبيراً على القطاع الخاص.
والمتعاملون مع المؤسسة الاستهلاكية المدنية يعانون الأمرين ليس فقط بتأخر السداد، وإنما بالخصومات والعروض الكبيرة التي يقدمونها للمؤسسة الاستهلاكية، لدرجة ان البعض يصف التعامل معها بخدمة العلم، فهم لا يحققون أبداً أرباحا، لا بل ان بعضهم ونتيجة التأخير في السداد يدخلون في منحنى الخسائر.
المؤسسة الاستهلاكية لها أهمية كبيرة لاستيعاب جزء كبير من السلع المنتجة محليّاً بسبب كثرة أسواقها في مختلف محافظات المملكة، لكن هذا لا يعني أن تستغل حاجات القطاع الخاص وتوظف سلطتها السياسيّة الرسميّة بالتوغل على مطالب الموردين، فالأصل ان تتعامل معهم وفق منظور الشراكة، فهي بدونهم لا تستطيع ان تستورد حبة رز واحدة، ولا تستطيع ان تقدم أسعارا تفضيلية لمستهلكيها دون دعم هؤلاء الموردين، إلا اذا أرادت الحكومة ان تدعم السلع من خزينتها، وهذا أمر ولى عصره وانتهى.
مطلوب علاقة وازنة بين المؤسسة والقطاع الخاص تدعم استمرارية الاثنين معا بشكل سليم لكليهما دون إلحاق أي ضرر بالحقوق.