لماذا الحملة الضريبية الآن؟

هناك من ربط الحملات الضريبية الأخيرة بتبرعات صندوق "همة وطن" الشحيحة، وآخرون ربطوها مع حاجة الدولة للأموال في هذا الوقت تحديدا. في اعتقادي أن الحملة الضريبية الكبيرة التي امتدت للكثير من الشركات الكبرى والشخصيات العامة والخاصة جاءت في هذا الوقت تحديدا لعدة أسباب ليس لها علاقة بتبرعات "همّة وطن"، فغالبية الذين طالتهم الملاحقات الضريبية مؤخرا هم ممن تبرعوا بمئات الآلاف للصندوق، والأسباب هي: أولا: الإصلاح الضريبي الذي تم بموجب قانون الضريبة الذي أقر العام الماضي بدأ يؤتي أكله، بعد أن تمت إعادة ترتيب البيت الضريبي الداخلي وتنظيفه من كل الاختلالات الداخلية وتعزيز الإصلاحات الداخلية، وتعزيز قاعدة بيانات مهمة للمكلفين على اختلافهم، ودعم الجهاز الضريبي بالكوادر البشرية المتدربة من أصحاب الكفاءات، وزيادة تنسيق عمل الدائرة مع مختلف مؤسسات الدولة المختلفة. ثانيا: المشهد الاقتصادي المحلي الراهن قد يكون الأكثر خطورة في تاريخ المملكة، وقد اعتادت الحكومات المختلفة في مواجهة العجز المالي للجوء للخيارات السريعة وهي جيوب المواطنين وإيرادات القطاع الخاص من خلال رفع الرسوم والضرائب والمحروقات والتعرفة الكهربائية، لكن اليوم الأمر مختلف جدا، والحكومة لا تستطيع أن ترفع الأسعار والضرائب على المواطنين وقد تعهدت بذلك أكثر من مرة، فالحمل الضريبي هو الأعلى على المواطن والشركات والمؤسسات (26.1 بالمائة)، ولا مجال لمزيد من الأعباء عليهم، لذلك كان لا بد من البحث عن طرق أخرى لتوفير أموال لمواجهة تحديات الخزينة الداخلية والخارجية معا، وهنا كان ملف التهرب الضريبي الذي شغل لعقود خطابات الحكومة الإصلاحية دون أن يكون هناك أي تطورات في هذه الملفات العالقة والتي أشارت إحدى دراسات البنك الدولي إلى أن التهرب الضريبي يتراوح بين (600-800) مليون دولار. ثالثا: عمليات استرداد الأموال من قضايا الشركات التي أحيلت لهيئة مكافحة الفساد باءت بالفشل الصريح رغم الخطاب الحكومي الرنان في هذا الأمر، فلا الشركات استمرت بالعمل، بالعكس غالبيتها بات تحت التصفية، ولا المساهمين حصلوا على حقوقهم، والخزينة كذلك، ورجال الأعمال الذين تم الحجز عليهم ومنعهم من السفر لم يتم تحصيل أي أموال منهم، ولم يتم حتى الانتهاء من ملفات تلك الشركات التي باتت معلقة دون حل، لذلك كان الخيار للجوء لمكافحة التهرب الضريبي الذي يسعى أولا وأخيرا لتحصيل حقوق الدولة دون أي شعبويات. رابعا: تزامن في الأشهر الماضية عدد من الصفقات والأنشطة مجتمعة، والتي أثارت شبهات الجهات الرسمية في مكافحة التهرب الضريبي، فالأشهر الستة الماضية شهدت التحقيق في ملفات كبرى، كان أهمها ما يتعلق بالدخان في المنطقة الحرة والتي تم التحقيق مع جهة معينة، ثبتت الدائرة عليها ضريبة بحوالي 134 مليون دينار، وقد تم اللجوء للمحكمة الضريبية من قبل تلك الجهة التي كانت مدار رقابة شديدة من صندوق النقد الدولي والذي طالب الحكومة بترجمة تعهداتها في الإصلاح الضريبي إلى إجراءات ملموسة، فكانت تلك القضية بمثابة اختبار حقيقي لجهود مكافحة التهرب الضريبي. القضاء هو الفيصل النهائي في قضايا الضريبة، وكثير من رجال الأعمال والمستثمرين لم تعجبهم قرارات الضريبة ولجؤوا للمحاكم الدولية وخسروها، آخرها قضية أمنية الشهيرة التي كسبتها المملكة في مركز التسويات العالمي في لندن، مما يعطي ثقة كبيرة بمصداقية الأردن في حماية المستثمر المحلي والأجنبي وبصدق الإجراءات المتبعة، وهي في النهاية تعزيز لحكم سيادة القانون والمنافسة العادلة في بيئة الأعمال. أي جهد إصلاحي تقوم به أجهزة الدولة لتحقيق العدالة سيواجه بالتشكيك من قبل الشارع والجهات المختلفة، وهم محقون في كثير من تلك الشكوك، لأنهم لم يعتادوا على مثل هذه الإجراءات التي تنطوي بداخلها على تحقيق العدالة وسيادة القانون، والرهان سيكون في ذلك على استمرار كوادر الضريبة في ذات النهج دون تمييز، والابتعاد عما يسمّى بالفزعة في معالجة التشوهات، فالأصل أن تكون هذه الأعمال مؤسسية وضمن حدود القانون.اضافة اعلان