لماذا تراجعت مرتبة الأردن في مؤشر جاهزية الشبكات 2016؟

م. يارا صلاح عبد الصمد*

تراجعت مرتبة الأردن في مؤشر جاهزية الشبكات، وفقا للتقرير العالمي لتكنولوجيا المعلومات الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي وكلية الأعمال في جامعة انسيادفي شهر تموز 2016، والذي جاء تحت عنوان “الابتكار في الاقتصاد الرقمي”، ثمانية مراكز ليصبح الأردن في المرتبة 60  من أصل 139  دولة حيث كان يحتل الأردن في العام المنصرم 2015 المركز 52 من أصل 143 دولة، متراجعا بذلك سنتين على التوالي حيث احتل في العام 2014 المركز 44 من أصل 148 دولة.اضافة اعلان
وبدراسة المؤشرات الفرعية الأربعة التي يعتمد عليها في احتساب مؤشر جاهزية الشبكات وتحديد مرتبة الأردن وهي: (1) البيئة السياسية وبيئة الأعمال والابداع؛ (2) الجاهزية بالنسبة لمدى توافر البنية التحتية والمحتوى الإلكتروني والكلفة والمهارات؛ (3) مدى استخدام تكنولوجيا المعلومات من قبل الأفراد ومؤسسات الأعمال، والمؤسسات الحكومية؛ (4) التأثير الاقتصادي والاجتماعي المترتب عن استخدام تكنولوجيا المعلومات، يلاحظ الثبات في مؤشر البيئة السياسية وبيئة الأعمال والابداع والذي تتقدم به الأردن مقارنة بمثيلاتها من الدول المصنفة ضمن ذات المجموعة (الدول ذات الدخل المتوسط الأعلى)، ويلاحظ التراجع في مؤشر الاستخدام ولا سيما على مستوى الأفراد والحكومة مقارنة بتحسن ملحوظ على مستوى مؤسسات الأعمال حيث احتلت المملكة المرتبة 41 في هذا المؤشر الفرعي مرتفعة 9 مراكز، مما يعكس الدور الريادي الذي تقوم به مؤسسات القطاع الخاص بتطويع واستخدام تكنولوجيا المعلومات.
وعلى صعيد آخر، تراجعت مرتبة الأردن المتعلقة بمؤشرات الأثر بشقيها الاقتصادي والاجتماعي،  حيث تراجع مؤشر الأثر الاقتصادي بشكل جلي لتحتل الأردن المرتبة 61 متراجعة 19 مركزا عن العام المنصرم، ويعكس هذا المؤشر الفرعي أربعة أمور أساسية: (1) تأثير تكنولوجيا المعلومات والاتصالات على نماذج الأعمال في البلاد، أي إلى أي مدى تتيح تكنولوجيا المعلومات والاتصالات نماذج تجارية جديدة، حيث احتلت الأردن المرتبة 50 في هذا المؤشر الفرعي (2) تأثير تكنولوجيا المعلومات والاتصالات على النماذج التنظيمية داخل المؤسسات، أي إلى أي مدى تتيح تكنولوجيا المعلومات والاتصالات نماذج تنظيمية جديدة (على سبيل المثال، الاعتماد على فرق عمل افتراضية والعمل عن بعد)، وقد احتلت الأردن المرتبة 56 في هذا المؤشر الفرعي (3) نسبة القوى العاملة الموظفة في الأنشطة المعرفية، والتي لم تتوافر حولها أية معلومات لتعكس في التقرير (4) عدد طلبات براءات الاختراع المتعلقة بتكنولوجيا المعلومات والاتصالات المودعة بناء على معاهدة التعاون بشأن البراءات (PCT) لكل مليون نسمة، حيث أوضح التقرير ضعف الأردن في هذا المؤشر الفرعي حيث حصلت على المرتبة 64 بعلامة مقدارها 0.4   من 7.0 مما يستدعي دراسة معمقة للوقوف على أسباب تدني عدد براءات الاختراع الحقيقية وتحديدها لمعالجتها، فقد تكون متعلقة بمستوى وجودة تعليم العلوم والرياضيات حيث حققت الأردن كذلك مرتبة متدنية نسبيا 64 في هذا المؤشر الفرعي.
أما بالنسبة لمؤشر الأثر الاجتماعي الفرعي والذي يأخذ بعين الاعتبار كذلك عدة أمور كأثر تكنولوجيا المعلومات والاتصالات على الوصول لخدمات أساسية في الدولة مثل الخدمات الصحية والتعليمية والمالية وغيرها، وانتشار استخدام الأنترنت في المدارس لخدمة العملية التعليمية، وكفاءة الحكومة نتيجة لاستخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات والمشاركة الالكترونية، فكان ترتيب الأردن متدنٍ نسبيا في مؤشرين فرعيين: استخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في المدارس لأهداف تعليمية حيث احتلت الأردن المرتبة 56  فيه ومؤشر المشاركة الالكترونية والذي يعكس جودة وملاءمة وجدوى المواقع الالكترونية الحكومية في توفير المعلومات على شبكة الانترنت والأدوات والخدمات التفاعلية للمواطنين حيث حصلت الأردن على المرتبة 70 في هذا المؤشر الفرعي. والجذير بالذكر أن الحكومة تعمل بشكل دؤوب في الآونة الأخيرة على توفير خدمات حكومية الكترونية للمواطنين، وعليه هناك حاجة لدراسة مدى دراية ورضى المستخدمين بهذه الخدمات ومدى جدواها وتفاعليتها، ومدى استجابة الجهات والمؤسسات الحكومية المختلفة لقضايا المواطنين التي يتم تزويدهم بها بسبل الكترونية.
أما بخصوص مؤشر "الجاهزية" ومؤشراته الفرعية والتي تعكس أكبر تراجع حيث احتل الأردن المرتبة 93 متراجعا 12 مركزا عن العام المنصرم، حيث حقق الأردن المراكز التالية في المؤشرات الفرعية ذات العلاقة: مهارات 59، بنية تحتية 92، والقدرة على تحمل التكاليف 94، ما يستدعي دق ناقوس الخطر فيما يتعلق بالمؤشرين الفرعيين الأخيرين، ولاسيما تأخر الأردن بشكل ملحوظ مقارنة بالدول المصنفة ضمن ذات المجموعة (الدول ذات الدخل المتوسط الأعلى). والجدير بالذكر تحسن مرتبة الاردن 4 مراكز في المؤشر الفرعي للبنى التحتية في هذا العام ، إلا أنه ما يزال متدنيا ويحتاج لتطوير على الاصعدة الأربعة المكونة لهذا المؤشر وهي: إنتاج الكهرباء (كيلوواط) للفرد الواحد والذي احتلت فيه الأردن المرتبة 69، ومعدل تغطية شبكة الهاتف النقال والذي احتلت فيه الأردن المرتبة 67، وخوادم الانترنت الأمنة والذي احتلت فيه الأردن المرتبة 75 ، وعرض نطاق الإنترنت الدولي ( كيلو بايت / ثانية ) لكل مستخدم للإنترنت حيث احتلت الأردن في هذا المؤشر الفرعي المرتبة 108 متأخرة بذلك عن جميع الدول العربية التي شملها التقرير، والجدير بالذكر أن التقرير العالمي لتكنولوجيا المعلومات قد أكد على العلاقة الوثيقة بين قدرة البلدان على المشاركة بالبيانات دوليا، والمتمثلة بمدى عرض نطاق الإنترنت الدولي، والابتكار على مستوى وطني بمدى النشاط الاقتصادي على مستوى دولي، وعليه هنالك حاجة ماسة لتحسين مرتبة الأردن في هذين المؤشرين الفرعيين وتمكينه من أن يصبح رائدا إقليميا في مجال الحوسبة السحابية وانترنت الأشياء، والتي تعد من المجالات الواعدة الجاذبة للاستثمار.
أما بخصوص المؤشر الفرعي المتعلق بالقدرة على تحمل التكاليف، والذي حقق الأردن فيه المرتبة الأدنى “94” مقارنة بجميع المؤشرات الفرعية الأخرى، فهو يقيم ويعكس القدرة على تحمل تكاليف تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في البلاد من خلال قياس تكاليف استخدام الهاتف النقال وتكاليف الاشتراك في الإنترنت عريض النطاق، وكذلك مدى تحرر 17 فئة من خدمات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، لأن المزيد من المنافسة القوية يؤدي إلى خفض أسعار التجزئة على المدى الطويل، وقد احتل الأردن المرتبة 67 في هذا المؤشر والذي يعكس بشكل عام مستوى المنافسة في خدمات الانترنت وخدمات المكالمات الدولية وخدمات الهاتف النقال. وبالرغم من احتلال الأردن المرتبة 7 دوليا متفوقا كذلك على جميع الدول العربية في المؤشر المتعلق بمتوسط التكلفة لكل دقيقة من أنواع مختلفة من المكالمات الخلوية المتنقلة وتعرفة الهاتف النقال المدفوعة مسبقا والمقدر بمعدل تكلفة الدقيقة الواحدة للأنواع المختلفة من مكالمات الهاتف النقال، ما يعكس تنافسية قطاع الهواتف النقالة والمنافسة في مجال عروض الهاتف النقال المدفوعة مسبقا. على النقيض تماما فقد احتل الأردن المرتبة 112 في المؤشر المتعلق بتعرفة الانترنت الثابت عريض النطاق، برسم اشتراك شهري لخدمة الانترنت الثابت عريض النطاق، ما يستدعي اعادة النظر في نسبة الضريبة المفروضة على خدمات الانترنت عريض النطاق ولا سيما الانترنت الثابت وعلى ضرورة تقديم مجموعة من الحوافز لزيادة انتشار الانترنت الثابت عريض النطاق.
وبالنظر لأرقام هيئة تنظيم قطاع الاتصالات نلاحظ الانخفاض في عدد مشتركي الانترنت الخط الرقمي اللامتماثل وبزيادة لا تعادل هذا الانخفاض بالنسبة لمشتركي الانترنت بتقنية الألياف الضوئية حيث إن الزيادة في مشتركي الانترنت بمقارنة الربع الأخير من العام الماضي 2015 والربع الأول من هذا العام جاءت نتيجة الزيادة في انتشار مشتركي الانترنت من خلال الهاتف النقال عريض النطاق، وبالرغم من هذه الزيادة، جاءت مرتبة الاردن متدنية في مؤشر استخدام الانترنت على مستوى الافراد كما ذكر سابقا؛ حيث احتل الأردن المرتبة 70 في هذا المؤشر الفرعي  مقارنة  بالمرتبة 53  والتي تعكس مستوى الاستخدام الكلي والذي يشمل الاستخدام على مستوى الأفراد ومؤسسات الأعمال والاستخدام الحكومي، ويعزى تدني مستوى الاستخدام على مستوى الأفراد الى تدني مرتبة الاردن في اشتراكات الانترنت عريض النطاق الثابت، المرتبة 85، واشتراكات الانترنت عريض النطاق المحمول، المرتبة 99، مقارنة ببقية الدول. والجدير ذكره أن الاستخدام الفعال للتطبيقات والخدمات الالكترونية سواء الحكومية أو الخاصة بالأعمال أو تلك المتعلقة بقطاعي التعليم والصحة بحاجة الى خدمات انترنت عريض النطاق ثابتة مدعومة ببنية تحتية قوية ومحتوى الكتروني ثري. مما سلف يتضح الارتباط في المؤشرات الفرعية المذكورة وتدني مرتبة الأردن فيها.
نأمل أن يساهم تسليط الضوء وتحليل مرتبة الأردن في مؤشر جاهزية الشبكات للعام الحالي 2016، من خلال ايضاح نقاط الضعف والقوة،  في تطوير خطة تنفيذية فعالة تهدف لتحقيق الرؤية الرقمية للأردن ضمن مبادرة ريتش  2025  التي قامت جمعية انتاج وبالتعاون مع وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات على تطويرها بهدف إيجاد اقتصاد رقمي جاذب للاستثمار، داعم للابتكار وللنمو والازدهار الاقتصادي والاجتماعي على حد سواء.

* باحثة اقتصادية