ترجمات

لماذا ترتدي نساء غير مسلمات الحجاب؟

جيسيكا ميندوزا – (كريستيان سينس مونيتور) 17/12/2015

ترجمة: عبد الرحمن الحسيني

في الآونة الأخيرة تم وضع أستاذة جامعية كانت قد نشرت صوراً لنفسها وهي ترتدي الحجاب -في مظهر تضامني مع النساء المسلمات- في إجازة إدارية إجبارية مؤقتة. وتضع نساء أخريات من غير المسلمات الحجاب على رؤوسهن أيضاً للأسباب نفسها. وفي حين يمتدح البعض هذه اللفتة، يقول البعض إنها تبدو فكرة اختزالية، أو أنها معادية للحركة النسوية.
*   *   *
أصبحت الأستاذة المساعدة في كلية ويتون، لاريكا هوكنز، والتي وضعت في إجازة إدارية بعد أن نشرت صوراً لنفسها وهي تضع حجاباً إسلامياً تقليدياً على رأسها، آخر سيدة غير مسلمة تضع الحجاب الإسلامي كتعبير عن التضامن مع النساء المسلمات الملتزمات.
وتعكس هذه الإيماءة اتجاهاً متنامياً لارتداء النساء الحجاب في عرض لدعم الجالية المسلمة. وبينما قد يكون لهذا التصرف حدوده؛ حيث يقول البعض إنه توجه اختزالي ويقول آخرون إنه قد يبدو وكأنه معاداة نسوية- يقول العديدون إن هذه الممارسة يجب أن تلقى التشجيع في وقت تتنامى فيه المشاعر المعادية للإسلام.
تقول سيلين إبراهيم، المفكرة المسلمة والمعلمة والعضو فريق بيت العبادة في جامعة تفتس في سومرفيل، ولاية مساشوستس: “إنني أجد الكثير من الناس يشعرون بالغضب مما يرونه خطاباً دينياً متعصباً جداً في المشهد الوطني. لذلك أعتقد أن الناس (يفعلون هذا) انطلاقاً من إحساسهم بالدفاع عن المثال الأميركي الخاص بالتعددية الدينية، ومن أجل تعزيز خلق الترحيب بالأجانب وذوي الحاجات”. وتضيف: “إنه عمل تضامني جميل. وأنا أرى ذلك يندرج إلى حد كبير في ذلك السياق من التبني الأوسع للجالية المسلمة”.
يوم 10 كانون الأول (ديسمبر) الحالي، قامت لاريكا هوكنز، الأستاذة المشاركة للعلوم السياسية في جامعة ويتون، بنشر صور لها وهي تضع غطاء على الرأس، مرفقة برسالة تقول فيها إنها تقف إلى جانب المسلمين، مضيفة أنهم “يعبدون الإله نفسه” الذي يعبده المسيحيون. وأخذت الجامعة علماً بملاحظاتها، وشعرت بأنها تتضارب مع المهمة المسيحية الإنجيلية للجامعة.
مع ذلك، فإنها هذه الصور هي التي تجعل الأستاذة هوكنز جزءا من مجموعة متنامية من النساء والفتيات في الولايات المتحدة وغيرها، واللواتي استخدمن غطاء الرأس الإسلامي على مدى الأعوام القليلة الماضية، كوسيلة للتضامن ضد التحديات التي تواجهها النساء المحجبات.
وتقول فريال خاطري، المساعدة في مركز الاتصالات في الجمعية الإسلامية لأميركا الشمالية: “إنه حقاً نشاط عظيم في العلاقة بين الأديان. إنه طريقة عظيمة لفتح الحوار، وطريقة لفهم عمق تمثيله للإيمان حقاً” بالنسبة لبعض المسلمين.
تصرف معاد للنسوية أم عرض للأخوية
لطالما أسيء فهم الحجاب، الكلمة العربية التي تعني “الحاجز” أو “الفاصل” في الثقافات الغربية، وتم تفسيره على أنه رمز للقمع -طريقة يعبر من خلالها الرجال المسلمون عن السيطرة على أجساد النساء، كما تقول الأستاذة سيلين إبراهيم في تفتس.
لكن الفكرة، كما تقول، لا تتعلق بسيطرة الذكور بقدر ما تتصل بقيمة التواضع؛ بفهم الجسد كشيء يجب أن يُبجل ويُحمى.
وتضيف إبراهيم: “الحجاب كما يفهم كلاسيكياً لا يدور ببساطة حول تغطية الشعر. إنه يدور حول نوع خاص من الحضور الذي تحمله المرأة إلى داخل الفضاءات العامة التي تشغلها. إنه طريقة تحاول من خلالها عدم المبالغة في الاستعراض الجنسي لجسدك في طريقة لباسك”.
وبالنسبة لناشطات الحركة النسوية المعاصرة -وخاصة في الغرب- يكون هذا المفهوم صعباً على الفهم، كما تقول سينثيا إيلر، أستاذة النسوية والدين في جامعة كليرمونت غرادويت في ولاية كاليفورنيا.
وتقول: “(الحجاب) هو موضوع معذب جداً لناشطات الحركة النسائية. إنك تريدين دعم النساء اللواتي يردن ارتداءه، بالإضافة إلى النساء اللواتي لا يردن ارتداءه أيضاً. لكن سياسة غطاء الرأس، وخاصة في السياق الأميركي، تدفع بمشكلة الجنسوية الذكورية المتطفلة على النساء، (وكأن) من المفترض في النساء أن يلبسن بطريقة لا تغري الرجال”. وتضيف: “لا يتوجب علينا نحن النساء ارتداء الملابس بطريقة معينة”.
ومع ذلك، فهي تشير إلى أنه إذا تم ارتداء الحجاب باسم التسامح وفهم الآخر، فإن النساء من غير المسلمات اللواتي يخترن ارتداء غطاء للرأس يتركن أثراً إيجابياً.
وتقول الأستاذة إلير: “سيكون من سوء الطالع جداً إذا قررنا كمجتمع أن الطريقة المناسبة للتعامل مع الجنسوية الذكورية المتطفلة تكمن في ارتداء حجاب”. وتمضي إلى القول بأنه في سياق مكافحة المشاعر المعادية للمسلمين، فإن “من المثير للإعجاب استعراض مشاعر الأخوية مع النساء المسلمات. وسيكون أمراً كبيراً لو أقدم الرجال على فعل الشيء نفسه”.
“أن تسير مسافة ميل وهي ترتدي حجابها”
كانت الناشطة الاجتماعية ناظمة خان من بين أوائل النساء اللواتي عممن فكرة ارتداء غير المسلمات للحجاب للتعبير عن التضامن. ولأنها انتقلت من بنغلاديش إلى نيويورك، وجدت السيدة خان نفسها الفتاة الوحيدة التي ترتدي الحجاب في مدرستها الأميركية الجديدة.
وتقول السيدة خان: “لقد واجهت قدراً كبيراً من التمييز بسبب حجابي. ففي المدرسة المتوسطة كنت “الرجل الوطواط ” أو “ننيا”. وعندما انتظمت في الجامعة بعد 11/9، كانوا يسمونني أسامة بن لادن أو الإرهابية. كان ذلك شيئاً مزعجاً. ووجدت أن الطريقة الوحيدة لوضع حد للتفرقة، تكمن في الطلب من قريناتنا خوض تجربة ارتداء الحجاب بأنفسهن”.
ثم أسست خان يوم الحجاب العالمي في العام 2013، مستخدمة وسائل التواصل الاجتماعي لدعوة النساء والفتيات من حول العالم إلى ارتداء الحجاب، في جهد يقصد إلى مواجهة التصويرات النمطية وتعزيز التفاهم. 
تتباين القصص التي أسفر عنها ذلك. فالصحفية الحرة، فيليس ليون -التي أمضت يوماً كاملاً في نيويورك مرتدية حجاباً- وجدت “أن الناس الأقرب إليها كانوا هم أولئك الذين أعربوا عن أقوى وأشد الآراء تعصباً”. كما كتبت في مجلة “ديلي بيست”.
وفي مدرسة فيرنون هيلز الثانوية في شيكاغو، عقدت رابطة الطالبات المسلمات ندوة تحت عنوان “أن تسير ميلاً وهي ترتدي حجابها” في الأسبوع قبل الماضي من أجل تعميق الفهم عن المسلمين والنساء المحجبات، وفق ما صرحت به ياسمين عبد الله، الرئيسة والعضو الرفيع في الرابطة، لصحيفة “ذا شيكاغو ديلي هيرالد”.
وقالت ياسمين، الفتاة المسلمة، للصحيفة: “إنك لا تستطيع في الحقيقة فهم الأشخاص ومعتقداتهم ما لم تفهم لماذا يفعلون ذلك، وما الذي يجعلهم يحبون فعل ما يفعلونه”.
باستثناء حادثة طلب فيها طالب ذكر من واحدة من الفتيات إزالة غطاء رأسها عندما مر بها في القاعة، قالت ياسمين إنها كانت هناك تجارب إيجابية بين المشاركات.
وقد قمنا في كانون الثاني (يناير) الماضي بتعقب أربع نساء وضعن غطاء رأس ليوم واحد. وذكرت إحداهن أنه “تم التربيت عليها بلطف زائد” في المطار، وقالت إنها شعرت بالحاجة لأن تظهر أكثر وداً. وأشارت أخرى إلى أن الحجاب “يتحدث نيابة عنك بطريقة ما. إنه يشكل الانطباع الأولي عنك”. وأضافت: “إذا كانت لدى الناس مدلولات سلبية عن النساء اللواتي يرتدين الحجاب، فمن الصعب التغلب على ذلك”.
وقالت النساء الأربع جميعاً إنهن تعرضن للتحديق أكثر من المعدل الاعتيادي. ومع ذلك، ذكرت النساء بعد ذلك حدوث تغيير في الطريقة التي يفهمن بها أولئك اللواتي يرتدين الحجاب. وقالت إحداهن: “إنني أحب الأشياء التي يمثلها إذا كانت تلك الأشياء تعني أن تكون المرأة متواضعة، وأن تكون مثقفة ومتساوية مع الآخرين”.
“ممارسة سطحية”؟
مع ذلك، يقول البعض إن وضع غطاء على الرأس ليوم واحد ينقل بالكاد التجربة الكاملة لكفاح المرأة المحجبة.
وتقول الصحفية المسلمة أمارة غاني لصحيفة “سليت” إنها بينما تستطيع قبول ما إذا كانت الأستاذة هوكنز في ويتون تحاول إنجازه، فإن “ارتداء (غطاء للرأس) والتجول به هو وكأنك تقولين “أنا أفهم الذي تمرين به وأنا أقف إلى جانبك” ليس شيئاً يمكن قبوله”.
وأضافت “قد تتعرض هوكنز للهجوم، وقد ينظر إليها بشكل مختلف، وقد يجري إيقافها في المطار -لكنها في نهاية المطاف ستكون قادرة على مغادرة تجربتها”.
ومن جهتها، ترى فتيحة، التي تدير مدونة “الآنسة المسلمة” كل هذه الجهود على أنها “ممارسة اختزالية وسطحية”. وفي مداخلة لها بمناسبة يوم الحجاب العالمي في العام 2014، كتبت قائلة: “وحتى مع أن هذا اليوم يبدو ظاهرياً عن النساء المسلمات وتجاربهن… فإن تسليط الأضواء يتركز بشكل صارم على تجارب النساء غير المسلمات اللواتي هن مجرد سائحات في عالم الحجاب. وعلى هذا النحو، فإنها تفيد تجربة النساء غير المسلمات فوق قصص وروايات النساء المسلمات اللواتي يرتدين الحجاب كل يوم”.
لعل جزءاً من القضية هو أن غطاء الرأس يعني أشياء مختلفة للنساء المختلفات، وعادة ما لا يتم التقاط تلك المضايقات في تجربة ارتداء الحجاب ليوم واحد فقط، وفق ما تقوله السيدة خاطري في رابطة الطالبات المسلمات.
وتقول أيضاً: “إن الحجاب هو تجسيد خارجي للعقيدة. وعندما أرتديه فإنه يذكرني بديني وبصلتي بالله، وهو يمكِّنني وهو شيء يشكل جزءا من هويتي”.
“شأن شخصي جداً”
لضمان أن لا تصبح ممارسة ارتداء غير المسلمات للحجاب شيئاً تافهاً أو بلا معنى، فإن الأمر يجب أن يتعلق أقل بغطاء الرأس وأن يتعلق أكثر بالحوار بين الأديان، كما تقول خاطري.
وتضيف خاطري: “إنني أميل إلى اقتراح (أن يكون ارتداء الحجاب) جزءا من برنامج مهيكل بحيث يتم استخلاص المعلومات لاحقاً؛ حيث تستطيع غير المسلمات التعبير عن مخاوفهن واستفساراتهن، وتستطيع من ترتدي الحجاب المساعدة على تلك التجربة”.
كما تقترح على النساء اللواتي يردن فهم المسلمين الانخراط مع نساء مسلمات في محادثة قبل المشاركة في مناسبة مثل مناسبة “يوم ارتداء الحجاب”.
وتخلص خاطري إلى القول: “أنا أعتقد أنه يجب عليهن الاتصال بامرأة ما ترتدي غطاء رأس، أو تمضية يوم مع تلك المرأة. إن الحوار هو شأن أهم بكثير جداً من الارتداء الفعلي لغطاء الرأس. إنه في نهاية اليوم لا يعدو كونه مجرد قطعة نسيج”.

*نشر هذا التقرير تحت عنوان:
 Why are non-Muslim women wearing the hijab?

[email protected]

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock