تهاني روحي
تصدمنا أرقام وإحصائيات جمعية معهد تضامن النساء الأردني «تضامن» والتي تزودنا بها مشكورة لتسلط الضوء على إحدى مشكلات المجتمع بين الحين والآخر، وخلال أقل من شهر، رصدت (تضامن) حدوث ثلاث محاولات انتحار وحالة انتحار تام بين الفتيات والنساء في الأردن.
وكمحصلة طبيعية، فإن العديد من النساء المعنفات في الأردن يعانين من الاكتئاب، مما يدفعهن إلى التفكير في الانتحار لأنهن يكتمن معاناتهن جراء العنف أو حتى أحيانا الاغتصاب الجسدي الذي يتعرضن له، ولا تستطيع أي منهن فعل شيء سوى الصمت، بالإضافة إلى ضعف الخيارات مما يجعل فرص النجاة هزيلة، ناهيك عن انعدام أو ضعف استقلالهن المالي، فإلى أين المفر؟.
وبعد الارتفاع المستمر في عدد حالات الانتحار بحسب تقارير (تضامن) فإن الإناث يشكلن حوالي 30 % من حالات الانتحار و 62 % من محاولات الانتحار. فبات واضحا إذن أن التمييز ضد الإناث ما زال مشفّرا في قلب الحمض النووي لبنية المجتمع. وهذا يترتب على أن مبدأ الوحدة المجتمعية لا يمكن تطعيمها بشكل سطحي، بل إنّ الأنظمة والتراكيب الاجتماعية يجب إعادة قولبتها ليمكنها من تجسيد الوحدة المنشودة بين جميع أفرادها.
وبشكل عام فإن النسبة في ازدياد سواء للذكور أو الإناث، وهذا يدفعنا للتساؤل لماذا يقدم الأشخاص على الانتحار؟ وهل أسباب انتحار الإناث هي نفسها للذكور؟ ولماذا يقدم الشبان والشابات على الانتحار في عمر الزهور؟ وتجيب دراسات «تضامن» الميدانية بعدد من الدوافع، منها المعاناة من الفقر والبطالة، والاضطرابات النفسية، والمخدرات. إلا أن فقدان الهدف من الحياة هو من أهم الأسباب التي تعجل بوتيرة الانتحار.
فحين نكون مفعمين بحسٍ قويٍ لهدفٍ نبيلٍ في الحياة يضمن رقي الفرد والمجتمع معًا، يركّز على تطوير الفرد من جانبٍ وعلى دوره في تطوير المجتمع من جانبٍ آخرٍ، لا يبقى هناك مجال للتفكير في الانتحار.
فعلى مستوى الفرد، يؤدي العمل وفق هذا الهدف إلى تنمية صفاته وصقل الجواهر الإنسانية التي يجب أن تزيّن كل إنسان، فيتهذّب سلوك المرء باستمرار وتنعكس جلية على أعماله. وعلى المستوى الاجتماعي، يتم تعزيز الرغبة والتعهد لدى الفرد للعمل من أجل رخاء مجتمعه وبصورةٍ أعم. هذان الجانبان من الهدف المزدوج هما بالأساس متلازمان وغير قابلين للانفصال، حيث أن مبادئ وقيم وسلوكيات الفرد تشكّل البيئة التي يعيش فيها، وبالمقابل تتكون شخصية الفرد عن طريق البيئة الاجتماعية التي يتفاعل معها والأنظمة التي تحكمها.
إن عدم القدرة على توفير الحماية الاجتماعية للنساء والفتيات في كل مرحلة من مراحل حياتهن هو فقط أحد أعراض النظام الاجتماعي الذي عفا عليه الزمن ومع ذلك، فإن هذه التغييرات، على الرغم من أنها ضرورية، ستثبت أنها غير كافية في تحقيق أنماط حياة جديدة تتيح الازدهار لجميع الناس. بالنظر إلى أن العديد من أنظمة وهياكل المجتمع صُممت خصيصًا لتعزيز الهيمنة وعدم المساواة، يجب أيضًا توجيه موارد كبيرة نحو التعلم عن نماذج فعالة للحكم والتعليم والاقتصاد مبنية على مجموعة جديدة تمامًا من المبادئ: أن البشر جميعهم واحد، وأن النساء والرجال متساوون، وأن القوى الجماعية الناشئة يمكن إطلاقها من خلال التعاون والمعاملة بالمثل، وأن تقدّم المجتمع لن يتحقق إلا من خلال المشاركة الكاملة.
وأخيرا، لا بد من العودة للقيم الروحانيّة، فهو ليس أمرًا ضروريًا من أجل حماية النساء فحسب، بل في الحقيقة، لتنمية وتعزيز الاحترام لجميع الناس، حتى يتمّ الحفاظ على عزّة الإنسان وكرامته وخلق فكر أخلاقي يعمّ مجتمعاتنا ويدعم ويحافظ على كافة الحقوق الإنسانيّة.