"لماذا كسب ترامب وخسرت كلينتون؟"

هذا هو عنوان المقالة التي كتبها الصحفي روبرت باري في موقع "ميدل إيست أونلاين" في 14/ 11/ 2016، ونشرتها "الغد" مترجمة في 16/ 11/ 2016.
ومع أنني لا أستطيع مجادلة هذا الصحفي الاستقصائي المحترم في عقر داره بأسباب وعوامل هزيمة هيلاري كلينتون، إلا أنني كمطلع نسبي على الثقافة أو العقلية الأميركية، وكمتابع من بعيد لها مثل ملايين غيري، أدعي أنه لو فازت كلينتون بالرئاسة، وهي من حيث عدد الأصوات فائزة، لكان التعليق بالعكس، ولنسبت هزيمة ترامب إلى الأسباب والعوامل التي ذكرها روبرت في مقالته، مثل: افتقاره إلى المعرفة والكياسة، وعنصريته، وكراهيته للنساء، وفوقيته العرقية البيضاء، وتعصبه الديني ضد المسلمين... وهكذا. ولكنه مع ذلك فاز بها وليس بغيرها، مع أنه قد لا يكون لهذه الأسباب والعوامل علاقة عند الناخبين.اضافة اعلان
الفارق في حملة ترامب عما سبقها من حملات، جاذبية أو استثنائية لهجته وأسلوبه وخروجه عن المألوف الانتخابي، وخطابه الديماغوجي المتقلب الموجه إلى العامة، في مواجهة النخبة من الأميركيين من حملة جائزة نوبل، وأساتذة الجامعات، ورموز جمهورية وصحفية وإعلامية دعت إلى مقاطعته.
لو لم يكن مجمل الشعب الأميركي ضعيف الإلمام سياسياً، وسريع النسيان عقلياً، لما انتخب -أبداً- رئيساً أو كونغرساً جمهورياً طيلة هذا الجيل، بعد الذي فعله المحافظون الجدد الذين جاؤوا من تيار الحزب الجمهوري، وبادروا إلى الحربين الخاسرتين والمدمرتين في أفغانستان والعراق، و"اللتين أزهقتا أرواح الجنود الذين ينتمون إلى الطبقة العاملة قليلة القيمة"، كما يقول باري. هذا عدا عن تدمير شعب وحضارة، والأزمة المالية الفتاكة التي أنتجتها سياسة بوش الابن والمحافظين الجدد. لكن كلينتون لم تستطع أن تذكّر الناخبين الذين طير ترامب بخطابه اللعوب عقلهم، بهذه الوقائع الجمهورية، لأنها هي نفسها وافقت على الحربين. لقد نجح ترامب بخطابه التأجيجي اللعوب فأسر العقل الشعبي.
أما العامل الأخر من عوامل فشل اليسار أو الليبراليين في الانتخابات، فهو إقبال اليمين أو المحافظين من الجنسين على التصويت بكثافة، واكتفاء اليسار أو الليبراليين بالكلام والتنظير وكسلهم عن المشاركة بالتصويت. وقد قيل: "إن الساسة السيئين ينتخبهم الناس الأفاضل الذين لا يقومون بالتصويت" (Bad Politicians are Elected by Good People Who do not Vote).
ويقول الكاتب الأميركي الساخر بيل فوفان (1915-1977): "أميركا بلد حيث المواطن مستعد لقطع المحيط للقتال من أجل الديمقراطية، ولكنه غير مستعد لقطع الشارع من أجل الانتخابات القومية".
***
لقد وعد ترامب بطرد أكثر من عشرة ملايين مهاجر غير شرعي مقيمين في أميركا. وبعد فوزه قال إنه سيطرد ثلاثة ملايين منهم بأسرع وقت.
تُرى، هل يوجد في أميركا مهاجر شرعي أصلاً؟ إن جميع المقيمين في أميركا، ما خلا أصحابها الأصليين والسود الذين سيقوا إليها بالقوة، غير شرعيين، بمن فيهم ترامب وأجداده، الذين اغتصبوا هذا البلد وأبادوا أهله الأصليين. ومن المفارقة أو الطبيعي أن يكون أحفاد غلاة المستوطنين البيض في أميركا أشد المتعصبين ضد بقية المنابت والأصول، بمن في ذلك الأفارقة الذين جلبوهم بالقوة إلى أميركا واستعبدوهم فيها، وكأن هؤلاء البيض يرددون قولاً للممثل الأميركي السينمائي (الخارق) جون وين (1906-1979): "لا أشعر بأننا أخطأنا باغتصاب هذه البلاد العظيمة من أهلها، فقد كانت توجد أعداد كثيرة من الناس بحاجة إلى أرض جديدة، وكان الهنود يحاولون وبكل أنانية الاحتفاظ بها".
وعليه، نخشى أن لا يكون ترامب صادقاً في شجبه الخجول للعنصرية الإرهابية، وأن يتطور الأمر في أميركا إلى إجباره على الاستقالة لفضائحه، أو إلى صراع أهلي ساخن إذا نفذ وعوده الكارثية التي أطلقها في أثناء الحملة.