لماذا لم يساعد التعليم في تحسين الحياة والموارد؟

يعتبر الأردن حسب البنك الدولي من الدول ذات العوائد المنخفضة على التعليم والخبرة، بمعنى الزيادة في الدخل الفردي والناتج القومي نتيجة التعليم وزيادة سنوات الدراسة وبسبب الخبرة والتجارب العملية، فالشاب الأردني الذي ينهي الثانوية ويذهب الى العمل يكون دخله بعد سنة أقل من نصف نظيره الألماني، وبعد ثلاثين سنة من التجربة يكون دخله أقل من خمس نظيره الألماني.اضافة اعلان
الإجابة المحتملة التلقائية للسبب في ذلك هي ضعف مستوى التعليم، فقد حصل الأردن على درجات أقل من المتوسط في البرنامج الدولي لتقييم الطلاب في الرياضيات والعلوم والقراءة، وكذلك ضعف إنتاجية العامل الأردني بسبب ضعف التعليم والتعليم المستمر وبسبب قيم وأنظمة العمل والحوافز والثقافة والسلوك الاجتماعي السائد، وهي فكرة بديهية تؤيدها الدراسات العلمية والميدانية، فالتعليم لا ينتهي في المدرسة أو الجامعة أو الكلية، لكنه يتحول (يفترض) إلى متوالية من الإنتاج والتعليم والمعارف والمهارات الجديدة والمتولدة بسبب العمل والتجربة والتعليم المستمر، وفي دراسات العائد على التعليم بملاحظة التأثير الاقتصادي والمعنوي، وضع مقياس للعائد نتيجة سنة إضافية في المدرسة أو العمل، وعلى سبيل المثال فإن تجربة سنة واحدة في العمل في ألمانيا ترفع الأجر بنسبة 5.5 في المائة، وبالتأكيد فإنها عوائد تؤثر على نحو حاسم في اتجاهات الإنفاق والاستثمار في التعليم والتدريب، فإذا لم يكن للتعليم والخبرة عائد على الدخل فسوف تتدنى مستويات العمليات والمؤسسات التعليمية. كما تؤثر أيضا في اتجاهات وجدوى المجالات المعرفية والتخصصات التي يقبل عليها الطلاب.
يفترض أن يكون العمل مكملا للدراسة وليس بديلا، وفي ذلك فإنه يجب النظر والمراجعة المستمرة في التعليم على النحو الذي يحسن فرص ومهارات العمل والحياة، وملاحظة التأثير الواقعي والفعلي للدراسة على مستوى العمل في إنجازه وفي الأجر أيضا، إذ يجب أن يكون التعليم المدرسي والجامعي في مستوى من الجودة والمحتوى تمكن العامل من سرعة اكتساب المهارات المطلوبة للعمل والإتقان في ذلك والقدرة على التدريب المتواصل واستيعاب المهارات والمتطلبات المعقدة للعمل والأجهزة المستخدمة في العمل، المكائن المحوسبة على سبيل المثال لن يستطيع العامل الفني تشغيلها وصيانتها من غير مهارات معرفية متقدمة في الرياضيات والعلوم والحاسوب.
التحدي الممكن ملاحظته بوضوح هو كيف يمكن تطوير مهارات ومعارف وفرص ومداخيل فئة من المجتمع تعمل في قطاعات غير مشمولة بالفرص هذه التي ندعو إليها؟ أو ليكن السؤال ببساطة أين يجد هؤلاء الأطفال الذين لم يتلقوا تعليما جيدا، وربات البيوت والنساء اللواتي يعملن في الزراعة أو الاقتصاد غير الرسمي بعد عشرين أو ثلاثين سنة من بدء المشاركة في سوق العمل أي في سن الستين، حيث يتقدم العمر وتقل فرص العمل وتحسين الدخل وتزيد احتمالات المرض؟ هل هناك تقاعد وتأمين يحمي هؤلاء؟ أم أننا ندفع إلى التهميش والعشوائية الاجتماعية أعدادا متزايدة من المواطنين؟ هل يملكون مؤهلات معرفية ونفسية وشخصية تساعدهم على الاستمرار في الحياة بوتيرة من التماسك والشعور بالمعنى والمشاركة والتضامن؟ أم أننا ندفع إلى الهشاشة والأمراض الجسدية والنفسية والاكتئاب والعزلة والشعور بالوحدة أعدادا متزايدة من المواطنين؟
إن الأرقام والمؤشرات تدل بوضوح على العلاقة المباشرة بين مستوى التعليم والخدمات الأساسية وبين تحسين الحياة والشعور بالرضا،.. ولا بد أن ذلك يفسر أيضا ظواهر التطرف والهوس الديني! فبقدر ما ندفع الناس إلى التهميش فإننا ندفعهم أيضا إلى التطرف والكراهية، ولا يمكن مطالبة الناس بالتخلي عن الأوهام من غير تغيير الظروف التي أنشأت هذه الأوهام.