لماذا لن يلقى الأسد نفس مصير القذافي

يافطة تطالب برحيل الرئيس السوري بشار الأسد خلال الاحتجاجات في بلده - (الأرشيفية)
يافطة تطالب برحيل الرئيس السوري بشار الأسد خلال الاحتجاجات في بلده - (الأرشيفية)

اد حسين *
(الفايننشال تايمز) 23/8/2011  

 ترجمة: عبد الرحمن الحسيني


يجري أصلاً استغلال المشاهد المأسوية في طرابلس من جانب أولئك الذين يبدون حرصاً على خلع الأنظمة الاستبدادية الأخرى. وبأخذ الحالة غير المستقرة في سورية على طول الخط، ثمة راهناً خطر لحظة خطيرة تواجه النزعة الانتصارية الغربية. وعلى أنها تجب مقاومة هذه النزعة، خاصة على ضوء التبعات الضئيلة جداً التي ستفضي إليها الإطاحة بالدكتاتور بشار الأسد.
في أعقاب شهور من ضبطه لأعصابه، أذعن الرئيس الأميركي باراك أوباما في الأسبوع الماضي لدعوات من المعلقين ومن قادة المعارضة السورية، وطالب بتنحي السيد الأسد. لكن القرار جانب الصواب، إذ كانت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون قد قالت في وقت سابق من الأسبوع أنه إذا طالبت الولايات المتحدة برأس الأسد، فماذا تالياً؟ وفي الحقيقة، ثم ماذا؟
كنت قد عشت في سورية لعامين، وما أزال أتردد على زيارتها بانتظام. ولذلك أعرف، بشكل جيد جداً، أنه ينظر إلى الولايات المتحدة هناك بعداء عميق. وقال لي المسؤولون في عدة مرات، وبملامح لا تنم عن مواربة، بأن أميركا في حالة حرب ضد العرب والمسلمين، وهي وجهة نظر مغروسة أيضاً بين صفوف المواطنين في نطاقهم الأوسع، وخاصة في أعقاب حرب العراق.
وهكذا فإن الدعوات لتغيير النظام ستفيد سورية، فيما الرئيس الأسد  يستمر في عصيان الغرب بسهولة. وكما هو مطبق في أمكنة أخرى في الشرق الأوسط، فإن عصيان واشنطن يعد مصدر قوة وشعبية، كما تفعل حماس ويفعل حزب الله وتفعل إيران. وسينظر إلى كل يوم يمر على بقاء نظام الأسد، على أنه ينطوي على إهانة للسيد أوباما، بينما ستوصم المعارضة السورية المتشظية والمتثاقلة، وبشكل أكثر صدقية بأنهم "دمى أميركية" أو "عملاء صهاينة". وبالنسبة لمواطنين ينطوون بشكل مفهوم على المعاداة لأميركا والمعاداة لإسرائيل، فإن هذه الوصمات قوية ومدمرة.
في الأثناء، ما فتئ النظام يمارس البربرية في الردّ على الناس الشجعان في الشوارع السورية، لكن علينا أن نتوخى الحذر في قبول السرد الذي يقول بأن كل سورية تطالب بالتغيير. وتظل المدينتان الأضخم، حلب ودمشق، هادئتين نسبياً، بينما يقاد الرأي في العواصم الغربية عبر تقارير تولد من رحم الحركات المعارضة التي تستخدم في الغالب الإعلام الاجتماعي، والذي يعد مشكوكاً في مصداقيته. وصحيح أن الجيش ارتكب العديد من الأعمال العدائية، لكنه يبدو أنّ المئات من عناصره قد قُتلوا أيضاً. وفي ظل غياب أي إعلام دولي، فإن مسألة ما إذا كان المحتجون كلهم سلميين تظلّ مسألة مطروحة للنقاش.
وفعليّاً، تأتي الدعوات التي توجه من أجل التدخل العسكري في سورية، من جانب ناشطي المعارضة السورية في اجتماعات تعقد في البيت الأبيض ووزارة الخارجية الأميركية. لكن هذه الحركات كانت قد ضللتنا في السابق، كما سبق أن فعل بعض الساسة من أمثال أحمد الجلبي عندما ضلل الولايات المتحدة بخصوص الوقائع في العراق. وفي الحقيقة ، فإن نظام السيد الأسد أقل احتمالاً لأن يسقط من نظام معمر القذافي، إذ لم تسجل فيه أي حالات انشقاق سياسية أو عسكرية رفيعة المستوى. كما أن الأسد يحظى بشعبية نسبية في أوساط القادة العسكريين الكبار وأئمة المساجد السورية، والطبقات الوسطى وقادة الأعمال التجارية. وهذا ما يعيدنا ثانية إلى السؤال "ثم ماذا بعد؟". فالأعداد التي تقتل راهناً ستتبدد عند مقارنتها بضحايا أيّ حرب أهلية محتملة في المستقبل إذا ما وقعت سورية باطراد ضحية لصراع طائفي بين الطائفة العلوية الحاكمة، ومسيحيي النخبة الحضريين، والأغلبية السنية، والأكراد والدروز وآخرين. وليس ثمة مجتمع مدني جاهز لهندسة انتقال سلمي، بينما يمكن أن تصبح سورية لبناناً آخر عندما تتحول إلى ميدان معركة بالنيابة لقوى إقليمية.
تفسر هذه المخاطرة، في جزء منها، السبب في ذهاب تركيا، حليفة سورية، إلى بذل جهود لوقف المذابح فيها، ولماذا لم تنضم المملكة العربية السعودية وروسيا والصين إلى المسار الأميركي. فهي كلها تريد إعطاء السيد الأسد المزيد من الوقت -لأنها تدرك الفرصة الضئيلة بالتخلص منه، ولأنها تخشى من سيادة العنف الذي ربما يستتبع سقوطه.
ولا بد من الإشارة إلى إن حوالي 90 % من صادرات النفط السوري تذهب إلى بلدان أوروبية. كما أن 3 مليارات دولار تقريباً من تجارتها السنوية تتم مع تركيا. يضاف إلى ذلك أن للمملكة العربية السعودية، التي تعتبر قوة إقليمية، مصالح قائمة في سورية. وفي الأثناء، تتمتع سورية وروسيا بعلاقات تاريخية وبصفقات أسلحة. إنها هذه البلدان التي يجب أن تكون راهناً على خطوط الإصلاح الأمامية، حيث الولايات المتحدة تعمل في الجزء الضخم خلف الكواليس.
بالنسبة للغرب، فإن اللحظة الأكثر قوة وإثارة للمشاعر في الشهور الأخيرة جاءت عندما توجه السفير الأميركي روبرت فورد إلى حماة، مسرح الاحتجاجات، لإظهار التضامن ولمراقبة ممارسات النظام. وقد حمس تحركه الهادئ المجتمعات السنية، المعادية في العادة، في الأماكن الأخرى من الشرق الأوسط لمصلحة أميركا، بينما زرعت الخوف في قلب الرئيس المستبد نفسه. ولعل مثل هذه الاستراتيجيات الإبداعية التي تعول على القوة الناعمة تفعل الأكثر على صعيد مساعدة الديمقراطية السورية مما تفعله الأصوات العالية الصادرة من البيت الأبيض.
ومع ذلك، فإن أقوى ضغط يمارس على السيد الأسد حتى الآن يتأتى من التغطية العربية لقناة الجزيرة الفضائية القطرية، والتي شجعت السوريين على الإمساك بزمام أمور تحديد مصيرهم الخاص. وهذا صحيح بالتأكيد، ذلك لأن أي تغيير طويل الأمد يجب أن يأتي من الداخل. ولعل مما يبعث على الحزن، أنه على المدى القصير وفي منطقة عالية التوتر، يظل السيد الأسد هو أقل الخيارات سوءا.

*زميل رفيع في مجلس العلاقات الخارجية.
*نشر هذا المقال تحت عنوان:Why Assad Need Not fear Qaddafi’s Fate

اضافة اعلان

[email protected]