لماذا هم..؟!

د. رجائي الجاعوني

كل شيء في هذا الكون يتحرك. فإن بدا السكون أحياناً جموداً في ظاهره، إلا أنه في أعماقه ينتج طاقة، فيزداد وهجاً ثم يلمع ضوءاً. اضافة اعلان
الأوْلى بحركة لا تتوقف، ويجب ألا تتوقف أبداً، هو العضو الأهم في الخلق، ألا وهو العقل الذي يقول العلماء فيه إن الإعجاز في قدرة استيعابه للمعلومات المليونية في خلايا يتجاوز عددها المليارات. إلا أننا، وكما يقول العلماء أيضا، نستغل فقط الخمس من طاقته الاستيعابية! لكن هناك مَن يشغّل حيزاً أكبر، ببذل مجهود للحصول على اختراع أو اكتشاف يفك طَلسماً إنسانياً، أو داءً عصياً، وعبور ما جهلناه حول الكون الممتد إلى أبعد مما يتخيله عقل أي إنسان؛ أكان هذا الإنسان عالما أم رائد فضاء. فخلايا العقل العصبية بانتظار أن يشغلها علم أو حكمة أو فلسفة، تحقق للإنسانية تطوراً ذي منفعة.
يفيض عالمنا المترامي على امتداد كرتنا الأرضية، بمشاكل وهموم لا حصر لها، تحاول الشعوب، مُتمثلة بحكوماتها، أن تَحُل ما استطاعت منها بالاعتماد على علمائها ومفكريها وكل صاحب تجربة، يضع نفسه بين يدي حكومته المخلصة من أجل حل مُعضلة تعيق تقدم البلد بالتشويش على إنجازاتها كما تؤخر تقدمها.
فمثلاً، أحد الاقتراحات التي وضعتها الحكومة النرويجية حيز التنفيذ، كان تخفيض الضرائب على مواطنيها في شهر تشرين الثاني (نوفمبر) إلى النصف، من أجل تشجيع أخذ إجازة عيد الميلاد والتمتع بالسياحة الداخلية أو الخارجية، إيماناً بضرورة وأهمية الإجازة للصحة النفسية، والتي تنعكس بالتالي على الإنتاج والعمل المُتقن، الذي ينعكس بدوره إيجابا على ازدهار البلد ونموه!
لذلك دعونا نستمتع بإجازة ترفه عنا وتزيل ملل وإرهاق العمل، بأقل التكاليف، وبما يتناسب ومستوى الدخل للمواطن. فالطبيعة الجميلة بانتظارنا، ورئاتنا تتوق لهواء ينقي ويغسل.
وفي معظم الدول الأوروبية، تُعتبر الإجازة المرضية إجبارية من أجل تقليل انتشار الأمراض، بمكوث المرضى في منازلهم بدلاً من الدوام الذي سيؤدي إلى انتشار العدوى بين الزملاء، وينعكس سلباً بالتالي على سير العمل ككل.
وإزاء ما يرتكبه الإنسان من جنون السرعة والتباهي بجنون قيادة السيارات، فقد وضعت السويد؛ ذلك البلد الحضاري الذي يحيا مواطنوه برفاهية قلما تجدها بين الشعوب الأخرى في العالم، مكافأة سنوية لكل سائق لم يرتكب أي مخالفة، بالدخول في سحب قد يربح من خلاله 3000 دولار، تؤخذ من صندوق المخالفات. أليس هذا حافزاً رائعاً لتشجيع القيادة السليمة باستخدام حكمة "القيادة فن وذوق وأخلاق"، والتي نقرأها كل يوم، ثم تسقط من الذاكرة فوراً بعد ثوان معدودة من اجتيازنا للوحة الإرشادات!
أما مخالفة السرعة في فنلندا، فتعتمد على دخل الفرد ومستواه المعيشي. فالذي يكسب أحد عشر مليون دولار سنويا، يُغَرم بما يعادل 20000 دولار! قد يقول عاقل: هذا ليس عدلاً، فالمواطنون متساوون في الواجبات والحقوق جميعها كما ينص الدستور، وعلى المخالف أن يدفع فقط ما يترتب على أي شخص يقود سيارته بسرعة تتجاوز السرعة المسموح بها. وهذه وجهة نظر يجب احترامها ومناقشتها أيضاً.
دعونا نهجر الكسل ونتجه صوب ما يخص الدراجات الهوائية. ففي هولندا، لا يُسمح للأطفال بركوب الدراجة إلا بعد بلوغ سن العاشرة، ويجب أن يخضع الشخص لامتحان كتابي وعملي للتأكد من معرفته بركوب الدراجة وحفظه لقوانين السير المُطبقة. وللعلم، فإن هذا البلد هو الأكثر استخداماً للدراجات الهوائية في العالم من قِبَل الكبار، للتقليل من استخدام السيارات لأجل بيئة نظيفة.. ولربما رحمة بفاتورة الوقود.
صحيح أن السير بالدراجة في المدن التي يكثر فيها الصعود والنزول مثل العاصمة عمان ليس سهلاً، بل هو شاق وغير عملي، لكن يمكن استخدامها في مدن أخرى مثل مدينة اربد، والعقبة، ومعان وربما مادبا، وغيرها من الأماكن ذات الجغرافيا المنبسطة.. توفيرا للوقود، ولأجل بيئة نظيفة. كما أنها رياضة تقوي عضلة القلب وتنشط الدماغ.
من أجل ثقافة تُهذب، وتُعلم، وتَرتقي بالإنسان، فإن السجين في البرازيل يُعطى كتبا لتثقيف نفسه، ضمن حافز تخفيف مدة العقوبة أربعة أيام عن كل كتاب يقرأه. ومنذ بداية تطبيق هذا المشروع وحتى الآن، انخفض عدد الذين يعودون للسجن بنسبة 30 %. هذا يعني أن للكتب فوائد تثقيفية تربوية، تُعيد مَن انحرف عن الطريق السوية الى جادة الصواب ومنفعة وطنه!
طرح الأفكار البناءة ليس حكراً على أحد. كلنا مدعوون لقول ما لدينا، فآذان أصحاب الشأن مُنصتة بكل احترام وتقدير... وشكراً لمن تعلم ونَفَع.