لماذا يخافون؟

لغايات إجراء تقرير صحفي (فيديو) حول قدرة طلبة المدارس على التحصيل العلمي في ظل طقس بارد وغرف صفية تخلو من وسائل التدفئة، كان لا بد من عمل مقابلات مباشرة مع عدد من طلبة المدارس الحكومية (ذكورا وإناثا) لسؤالهم عن حالة صفوفهم، وإن كانت مجهزة لمثل هذه الظروف، وذلك قبل الوقوف على رأي خبراء وأكاديميين ووزارة التربية ذاتها. لم تنجح فكرة إجراء هذا التقرير، رغم أن فريق "الغد" تجول حول أكثر من مدرسة حكومية والتقى بعدد كبير من الطلبة (الفئة العمرية لهم تتراوح ما بين 15 و17 عاما)، كما التقى أولياء أمور ممن يحضرون لاصطحاب أبنائهم، عدم نجاح الفكرة مرده أن أيا منهم لم يبد رغبة بالإدلاء برأيه أو الحديث عن الموضوع لا من قريب أو بعيد. الخوف تملك هؤلاء، والارتباك سيطر على وجوههم، ولم يتجرأ أي منهم على الوقوف أمام الكاميرا والتعبير عن حقه في الحصول على الدفء في مدرسته، حتى أن بعضهم ممن كان مترددا، طلب فريق "الغد" منه الاتصال بذويه للاستئذان، ليكون رد الأهالي بالرفض. سيدة قالت لابنها "لا تعلق على الأمر ولا تعطي أي معلومة احنا مش حمل نتحاكم على أساس الجرائم الإلكترونية!"، فيما قالت جدة أحد الطلبة "لا تحكي شي، المدرسة كويسة ومش ناقص الطلاب أي شي". أكثر من 25 طالبا وطالبة رفضوا التصريح، و7 من أولياء الأمور، لا أعلم هل بسبب الخوف، وإن كان كذلك فمن ماذا، وعلى ماذا يخافون؟، أم ضعف شخصية، أم أن الأهل لم يفلحوا في تنشئة أبنائهم على قول الحق وعدم التردد في الدفاع عن مكتسباتهم. الهزيمة في مواجهة هذا الموقف لا تبشر بأننا أمام جيل قادر على تحدي الصعاب، فكيف لمثل هؤلاء أن يقاتلوا غدا من أجل لقمة عيشهم أو التنافس في سوق العمل، أو التغلب على الشر، وكيف لأولياء أمور قبول فكرة أن يكون أولادهم في مثل هذا الموقف الضعيف، فتربية الأطفال ما هي إلا عملية تأهيل للمستقبل، وصقلا للشخصية، واستثمارا في القدرات، وتنمية للأفكار، ودفع هؤلاء لاتخاذ قرارات جريئة، وعدم الاستسلام للواقع. الحياة تحتاج إلى من يملك زمام المبادرة والمغامرة والثقة بالنفس والإقدام. الطلبة يعيشون في منازل عبارة عن صناديق مغلقة، ورغم انفتاحهم على العالم عبر هواتفهم الذكية، إلا أن هذا الانفتاح ليس تفاعليا، فهو من طرف واحد يتمثل في التصفح فقط، إذ الاكتفاء بالمتابعة والتأطر بأفكار الآخرين لغياب امكانية المناقشة والجدل وإبداء الرأي، إلا بنسبة محدودة ممن يملكون صفحات على مواقع التواصل الاجتماعي، وهؤلاء كل ما يهمهم هو نشر صورهم الشخصية والنكت ومشاهد الفيديو المضحكة ليس أكثر، فيما الأهالي ينازعون من أجل تدبر اقساط المدرسة وتكاليف الحياة، ما أثر على لغة الحوار داخل المنزل. وفي المدرسة، يكون الطالب عبارة عن متلق أيضا، نظرا لغياب المنهاج الذي يركز على بناء قدرات الطلبة ودفعهم إلى التحليل والفهم والاستنباط والتفكر والتحقق، إلى جانب منظومة تعليمية غير ناجحة، ومعلمون كل ما يعنيهم فقط هو الإسراع في إنهاء المادة العلمية المطلوب تدريسها، فتكون معادلة المدرس والطالب هي أيضا من طرف واحد، شخص يقف أمام 40 طالبا أو أكثر يشرح درسا جامدا. هذا كله إلى جانب غياب النشاطات اللامنهجية، أو ضعف ما هو موجود. الخوف لا يولد إلا مثله، والجرأة في قول الحق هي مصلحة وطنية عليا، فالجيل القوي هو القادر على حمل راية الدولة والدفع بها إلى الأمام في ظل ظروف تعاني منها، اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا. إذا لم يتصدر هؤلاء مشهد التعبير عن رأيهم، فمن سيقاتل من أجلهم؟ حتما لا أحد.اضافة اعلان