لماذا يشكل تبسيط الساسة للاقتصاد ضربا من الحماقة؟

ترجمة: ينال أبو زينة

عمان - قال أفلاطون بصيغة يحدوها القلق في الماضي "قد يسقط المجتمع الديمقراطي، في إطار تعطشه للحرية، تحت تأثير القادة السيئين". وقد خشي الفيلسوف اليوناني أيضاً أن "تبتسم الإشادة الشعبية للرجل الذي يخبر الناس بما يريدون سماعه أكثر مما قد يفيدهم حقاً".
في الحقيقة، تبدو هذه المخاوف أكثر وضوحاً وارتباطاً بأيامنا هذه، في الوقت الذي يظهر فيه ربع إلى ثلث الناخبين وأنهم مستعدون لتقديم الدعم للمرشحين الآتين من خارج التيار الرئيسي. وفي واقع الأمر، فإن القبول الذي يحظى به مرشح مثل دونالد ترامب إنما يتعلق بمكانته الخارجية.
وليست المشكلة تنحصر بشكل كبير في أن مرشحين من هذا القبيل يمتلكون أفكاراً جديدة، بل بأنهم بسطاء إلى حد خطر. وفي سياق متصل، قال الصحفي إتش إل مينكين إن "لكل مشكلة معقدة ثمة حل واضح بسيط وخاطئ". وقد تكون الفكرة تبني جداراً على الحدود الأميركية الجنوبية (أو حتى الشمالية)؛ وربما تكون تجمع 120 مليار جنيه إسترليني في شكل عوائد ضريبية "مفقودة"؛ وربما تتمثل في "التوصل إلى صفقة أفضل" مع إيران حول عمليات التفتيش عن الأسلحة النووية؛ فيما قد تكون ترفض تقشف اليونان بينما تواصل بقائها في منطقة اليورو.
وعندما يستجيب سياسيو التيار الرئيسي لهذه الأفكار، يتوجب عليهم تقديم إجابات معقدة لا يمكن عرضها ببساطة في رؤوس أقلام (حسناً، ربما لن تدور حول فكرة بناء الجدار الحمقاء أساساً).
وفي الواقع، تعتبر المجتمعات الحديثة معقدة بشكل لا يصدق. فلو كانت هناك من إجابات بسيطة للمشاكل السياسية، لكانت قد وُجدت وطُبقت من قبل.
وعندما تأخذ الحكومات فكرة رفع الضرائب بالاعتبار، ينبغي عليها أن تركز على تكاليف جمعها وتأثيرها على النشاط الاقتصادي، واحتمالية أن ينتقل دافعوا الضرائب إلى مناطق أخرى؛ ولدى أخذها في الاعتبار خفض الإنفاق، سوف تكون تواجه مشكلة أن الكثير من الإنفاق مؤتمت في الواقع (مثل المعاشات التقاعدية واستحقاقات البطالة) إلى جانب تأثير هذه الخطوة على الاقتصاد.
وهذه قرارات معقدة في حقيقة الأمر؛ فلا توافق الاقتصادات على التأثير النسبي لرفع الضرائب مقابل خفض الإنفاق، وتأثير حجم المضاعفة المالية على الاقتصاد، بالإضافة إلى الأهمية النسبية للمالية مقابل السياسة النقدية والكثير من القضايا الأخرى. وبالنسبة إلى هؤلاء الذين يظنون بأنهم يملكون إجابات سهلة، فربما لا يكونوا قد أعطوا المسألة القدر المناسب من التفكير.
وعندما توافق الحكومات على الصفقات الدولية، فلن تحصل عليها كما تشاء بطبيعة الحال، فتقديم التنازلات أمر لا مفر منه. وبمجرد أن تقول إنها "حصلت على صفقة أفضل" لن تتجاهل القيود المفروضة فقط، وإنما العواقب السياسية في حال لم يتم التوصل إلى اتفاق".
إن أولئك الذين يدعمون التوصل إلى صفقة معرضون لانتقادهم بوصفهم بالضعف؛ لكن الأطروحة المناقضة (ما كان يمكن أن يحدث لو لم يتم التوصل إلى اتفاق) لا يمكن ترتيبها لتقديم مقابل عقلاني. تبدو السياسة الغربية فوضوية في الشرق الأوسط، ولكن يجب أن يأخذ كل شخص بظن أنه يملك الإجابة الصحيحة التاريخ باعتباره؛ فقد فشل احتلال العراق، وفشل التدخل العسكري في شؤون ليبيا أيضاً، وكان لاتباع سياسة عدم التدخل في سورية نتائج مفزعة. وسيبقى هؤلاء الذين يعيبون الأمر دون داعٍ دائماً قادرين على المطالبة بنتائج مثالة في عالمهم الخيالي.
ويعتبر الصحفيون، طبعاً، مذنبين مثلهم مثل أي شخص آخر في هذا الأمر، فمن السهل عليهم أن يرفعوا تقييمات الآخرين إلى مستويات أعلى. ولكن يمكنهم أن يذنبوا بطريقة أخرى أيضا؛ عبر معاملتهم السياسة على أنها لعبة يفوز فيها أحد الأطراف أو يخسر، والتي يكون فيها عدم الاتفاق بين الأحزاب "انشقاق وانقسام".
إن جميع الأحزاب عبارة عن تحالف واحد؛ بحيث يتعين على الشخص يتفق آلياً مع الخط الحزبي الشامل. وعلى أية حال، وكما تمت الإشارة إلى الأمر، فإن معظم القضايا معقدة؛ ويمكن للمنطقيين من الأفراد أن يختلفوا. ويجب الاحتفاء بالاختلافات السياسية كإشارة على الصحة الفكرية لا إخفاق وفشل.
وربما قد يكون من المشجع أن اليونان وحدها من اكتسبت فيها الهوامش القوة. لن يكون ترامب رئيساً؛ وربما تصل مارين لوبان إلى الجولة النهائية في الانتخابات الرئاسية في فرنسا، لكنها لن تربح؛ وحاز حزب الاستقلال البريطاني على
14 % فقط من الأصوات في استفتاء العام الماضي الشعبي. وبالطبع، ففي حال سقط الاقتصاد مرة أخرى في حالة من الركود، سيصبح تقبل الغريب ممكناً أكثر.
إن مشاكل المجتمعات الغربية معقدة للغاية؛ فكيف سيتم توليد النمو في مجتمعات تعاني الشيخوخة السكانية، وانكماشاً في حجم القوى العاملة؛ وكيف سيتم تعزيز الإنتاجية مع الحفاظ في الوقت نفسه على فرص العمل؛ وكيف سيتم التعامل مع العولمة والصدمات التي تنتقل عبر الحدود للإرهاب والحروب الأهلية والأخطاء الاقتصادية. بصراحة الأمر، فإن اللافت في أمر السياسيين، الذين أتوا من خارج التيار السياسي الرئيسي، هو أنهم لا يبدون أنهم يستطيعون التصدي لمثل هذه الأسئلة وإيجاد الحلول لها.
"الإيكونوميست"

اضافة اعلان

[email protected]