لماذا يغيبون عن الاعتصامات؟

لماذا لا يشارك ملايين الأردنيين في المسيرات أو الاعتصامات، مقارنة بما رأيناه في دول عربية، جمعتْ فيه البؤرُ الغاضبة القليلة في البدايات، ملايين الأعداد لاحقا؟! هذا السؤال المهم لا يأتي في سياقات تخوين المعتصمين، ولا المزاودة عليهم، ولا إحباطهم، أو التقليل من وطنيتهم، أو شرعية مطالبهم، ولا التذاكي عليهم، كما سيظن بعضهم، كما جرت العادة. لقد تعبنا من الطريقة التي تقوم على الطعن في الآخرين من أجل إفساد أي تحرك لهم، لكننا نسأل السؤال من باب التحليل، ونريد جوابا حياديا، لا نتطرف فيه يمينا أو يسارا، وربما إجابات المعتصمين، أو الغائبين، مهمة هنا للغاية؟ على الأرجح، ومن حيث المبدأ، هذا يعني اعتراضا عاما، على فكرة الاعتصام، أو المسيرة أو المظاهرة، وقد رأينا في الربيع العربي، عددا قليلا جدا، من المعتصمين أو المتظاهرين، مقارنة بعدد السكان، وربما أكبر بؤرة كانت عند دوار الداخلية، في تلك الليلة الشهيرة، ومرة في وسط البلد، حين اشتد التحشيد، لكن لم تؤد هذه الطريقة إلى تحريك ملايين المتفرجين، ولا ضمهم إلى هذه الجماهير. لا يمكن هنا، التورط أيضا، في توصيف المتفرجين في بيوتهم، بكونهم جبناء، أو بلا عزم، أو الطعن فيهم أيضا، لأن المبدأ واحد، إذ مثلما لا يصح الطعن في المعتصمين، لا يصح الطعن في الذين لا يشاركون. للأسف الشديد، نرى بيننا تعبيرات مهينة، فالبعض يخوّن المعتصمين باعتبارهم أصحاب أجندات، والبعض يخوّن المتفرجين ويصفهم بالجبناء. من ناحية ثانية، علينا أن نتحدث بصراحة، حتى لا نتجنّى على أحد، أو ننتقص من أحد، إذ إن الغالبية الغائبة عن المسيرات أو المظاهرات، لديها آراء لا تختلف في حالات كثيرة عن آراء المعتصمين، فهم يعرفون أن هناك أزمات في الأردن، وأن هناك فسادا ماليا، ولا حياة سياسية، ولا تنمية، ولا عدالة، مثلما يدركون أن الفرص غير متوفرة، والحياة صعبة. هم أيضا، كما وصفهم زميل في وقت سابق، لم يعودوا الأغلبية الصامتة، بل باتوا الأغلبية الهامسة، ويتحدثون في بيوتهم بذات الطريقة، وبدرجات متفاوتة، لكن غيابهم عن المسيرات والاعتصامات، لا يعني معاداة المعتصمين، بقدر كونه، يعني اعتراضا واضحا على الشكل، أي فكرة المظاهرة أو المسيرة أو الاعتصام. لو كانوا يؤمنون بالشكل، لرأيناهم في الشوارع بذات الطريقة هذه الأيام، وهذا يبرق برسالة مهمة إلى المؤمنين بفكرة الاعتصام أو التظاهر، مغزاها أن الشكل لم يعد مجديا، ولا شعبيا، وبات دليلا على الاستعصاء السياسي. الغائبون لديهم وجهة نظر، فهم يعرفون أن الخلل كبير، ويعانون أشد الأمرين في حياتهم، لكن لديهم حسبة معينة يتوجب الوقوف عندها، أي مخاوفهم من انفلات الفوضى في الأردن، جراء بؤرة تظاهر صغيرة، فيفقدون لحظتها كل شيء، برغم حياتهم الصعبة جدا. غالبية الغائبين، أيضا، يتحفظون بشدة على بعض الشعارات. العقدة هنا، أن الحكومات تدرك أن الغالبية العظمى لا تريد مظاهرات، وتستند إلى هذا التقييم، من أجل الاسترخاء في اتخاذ قرارات صعبة، وفوق ذلك تحتفي الحكومات بسطحية بالأرقام، أي تتنفس الصعداء كل مرة، كلما كان عدد المتظاهرين أو المعتصمين قليلا، برغم أن دلالة الرقم غير كافية، كون الغالبية العظمى قلقة جدا، ولديها مطالباتها، وغير راضية، وبدلا من نزع أسباب الغضب، من جذورها، تأتي المعالجات يومية، وغير استراتيجية. كل الأطراف تتورط في خطأ ما، إذ إن المتظاهرين يواصلون ذات النمطية، والحكومات تتعامى عن كون المطالب باتت عامة، حتى بين غير المتظاهرين، فيما الغالبية الغائبة، باتت يائسة ولا تجد مخرجا، أو شكلا مناسبا للضغط والتغيير، بعد أن فقدت الثقة في كل شيء. تسع سنوات من الاعتصامات والتظاهرات والمسيرات، لم تؤد إلى أي نتيجة. لقد آن الأوان أن يتوافق الجميع، على حل العقد، وإعادة البلد إلى سياقه الطبيعي الذي يريده المتظاهرون والغائبون على حد سواء.اضافة اعلان