ماسة الدلقموني*
ينم التساؤل عن معرفة مسبقة ومؤكدة بأن أبناءنا اليوم يملون في المدرسة. وما لنا إلا أن نحترم عنوان هذا المؤتمر لاعترافه بواقع حال الكثير من الغرف الصفية بالعموم.
نرى يوميا ونتابع جهودا مقدرة لبعض المعلمات والمعلمين والإدارات والمؤسسات على اختلافها بالعمل على إبعاد هذا الوحش الصامت الملقب بـ”الملل” والذي لا يلبث أن يدخل الغرفة الصفية حتى يشل نصف عقول الطلاب فيها ليعيقها عن أية عملية تعلم حقيقية ذات معنى أو ارتباط تاركا تلك العقول في حالة معاكسة لطبيعتها اللينة والمتسائلة والباحثة عن المعرفة. حالة أقرب ما تكون إلى الصدأ المنتشر في ما أراه -عساي لا أبالغ بالوصف- مورد البشرية الأساسي.
م.ل.ل. إن كان لنا مخرج اليوم من هذه الأزمة التعلمية التي نمر بها فلا بد لنا أن نضع هذه الحروف الثلاثة جانبا – رغم أهمية الإشارة إليها بالعنوان- وربما نمحور الجهود والإجابات نحو « لماذا يحتاج أبناؤنا إلى تعلم ممتع!؟». فقد تحمل الإجابات المتوقعة عن تساؤل «لماذا يمل أبناؤنا في المدرسة!» في ثناياها شعورا من اللوم والتقصير سواء من قبل صانعي القرار أو الإدارات والمعلمين وربما الأهل ليتركنا بألف إجابة وإجابة مع ركام من المشاكل نقف أمامها حائرين. أما بالإجابة على «لماذا يحتاج أبناؤنا إلى التعلم الممتع!» فيضع أمامنا المتعة كمسلمة أساسية في التعلم ويتركنا كقائدين لهذه العملية بمسؤولية البحث الموجه عن تأثير التعلم الممتع على أبنائنا والذي ما أن ندرك أهميته على تطور جوانبهم النفسية والعقلية والجسدية والاجتماعية والعاطفية حتى نكون قد بلغنا غاية سامية وزرعنا البذرة الأساسية التي ستساهم في إعادة توجيه البوصلة من اللوم إلى العمل ومن المشكلة إلى الحل ومن القطب الشمالي الجاف إلى ما أسميه «القطب الشمولي» الدافئ الذي إن كنا لنحافظ على الواو فيه لخدمة مستقبل طلابنا فلا بد لنا التأكد من وجود صوت هذا الحرف في غرفنا الصفية.
ويبقى التساؤل، إن وصلنا إلى الإجابة عن «لماذا» وتعمقت قناعاتنا للأهمية البالغة للتعلم الممتع، هل سنتمكن من الوصول إلى «كيف!»رغم قناعتنا بأهمية الوصول إليه! هل سنترك حقا مسابقة حصاد اللوم ونتوجه إلى تسميد الأرض التي نعرف جميعا أنها استنزفت! وإن كنا لنفعل ذلك! فمن المسؤول! كيف للمعلم أن لا يلوم المدير! وكيف للمدير أن لا يلوم الحكومة! وكيف للوزير أن لا يلوم الموازنة! وكيف للأهل أن لا يلوموا المعلم! كيف للطالب عندما يكبر أن لا يلوم الجميع! لا أعتقد أني مؤهلة لطرح إجابة لهذه المعضلة، بل أعتقد أن الإجابة موجودة في ضمير كل منا، التي إن كان بمقدور تلك العقول العظيمة على مقاعد الدراسة طرقها لطرقتها مرة واثنتين وعشرين غير مدركين أنها لا تطرق إلا مِن الداخل.
التغيير بحاجة إلى قرار جماعي لربما من قبل كل مدرسة بشكل مستقل، وهذا بدوره يتطلب نوعا من أنواع حرية القرار ولربما نوعا من أنواع اللامركزية الموجهة حيث تتحرك كل مدرسة حسب أولويات حاجاتها وطلابها بالتخطيط المنظم والمتابعة الممنهجة والمساءلة الموثقة باتجاه الخطط المرسومة بحيث تلتقي جميعها لتحقيق هدف مشترك وهو التطور المستمر. التغيير يتطلب توحيد الرؤية والفريق ليعمل ضمن وحدة واحدة متناغمة بما يتناسب مع القدرات والموارد آخذين بها بعين الاعتبار خصوصية البيئة من حوله! التغيير يتطلب إشراك الأهل بالعملية التعليمية كعنصر فعال. التغيير يتطلب دراسة واقع حال كل وحدة منفصلة من قبل أهل هذه الوحدة باستشارة خارجية ومساندة متخصصين لرسم خطة تقدمها بناء على واقعها الحقيقي لا الافتراضي. التغيير يتطلب تواصلا على كل المستويات وإعادة تعريف للمناصب بعيدا عن أي هرمية باتجاه تعزيز التشاركية. التغيير يحتاج إلى نوع من الثقة بقائديه مع العمل على زرع روح التطوير المهني المستمر ليتمكنوا من بناء مهاراتهم اللازمة لقيادته كل من مكانه. نعم التغيير يتطلب بعضا من الفوضى المنظمة والتجربة والخطأ فالتعلم الحقيقي يحصل فقط في بيئات كهذه، ونعم هذا النوع من التفكير قد يُعد مخاطرة ويحتاج حشد الكثير من العقول والآراء حولها، لكن أو ليست المخاطرة الأكبر التي تواجه أبناءنا هي بقاؤنا على حالنا اليوم في عصر تسونامي التعليم!
- أخصائية في التربية والتعليم