"لما حكيت مريم ": بوح وجداني للتفاصيل الانسانية الصغيرة

   تواصل مؤسسة شومان عرضها لمختارات من الافلام اللبنانية الحديثة ، وستعرض لجنة السينما في المؤسسة بعد غد فيلم  " لما حكيت مريم " ، وهو الفيلم الروائي الطويل الأول للمخرج أسد فولادكار ويستند  إلى قصة حقيقية تدور حول قضية عدم الإنجاب والضغوط الخارجية التي يتعرض لها الزوجان من قبل الأقرباء والتي تؤدي في نهاية الأمر إلى تدمير الحياة الزوجية . يتابع الفيلم هذه القضية وتطوراتها من خلال حكاية عن زوجين شابين من بيئة اجتماعية متوسطة ، هما زياد ومريم . يعمل زياد كفني في إحدى المطابع بينما مريم مجرد ربة بيت .

اضافة اعلان

 ونعرف من البداية أنهما متزوجان منذ ثلاث سنوات، وانهما لم ينجبا خلال هذه المدة لعلة في الزوجة وعلى الرغم من أن الاثنين يرغبان بطفل ، فإن عدم الإنجاب لا يؤثر على علاقتهما وعلى التفاهم بينهما، كما ان مشاعر الحب والحنان فيما بينهما لا زالت متوقدة ، يصورها المخرج في أكثر من مشهد مباشر مؤثر .

ونتعرف في الفيلم على شخصيتين نمطيتين رئيسيتين هما أم الزوج وأم الزوجة . أم الزوج تلح باستمرار على ابنها أن يطلق زوجته العاقر وأن يتزوج أخرى، ولا تخفي رغبتها هذه عن زوجته مريم . أما أم الزوجة فترتب لابنتها مقابلة مع مشعوذ، رغم عدم قناعة الابنة  تتحول هذه المقابلة  بالمشعوذين الى مقابلات متلاحقة يجرب فيها المشعوذ في كل مرة علاجا غريبا فلا تحصل مريم من ذلك كله إلا على المزيد من خيبات الأمل والمعاناة ، ومع ذلك يزداد تعلقها به وأملها فيه والتورط في التعامل معه رغم انكشاف زيفه ، معاندة بذلك وعيها السابق الذي كان يرفض مثل هذه الممارسات ( وهناك مشهد في النصف الثاني من الفيلم نراها فيه تتجه نحو منزل المحتال لوحدها ، في حين كانت في السابق تجيء بضغط من أمها ، ثم تصاب بالاحباط بعد أن تعرف أنه معتقل ) .


   وسيراقب المشاهدون في المرحلة الثانية من الفيلم تطورات مألوفة ومتوقعة ، وأخرى غير مألوفة وقد تكون صادمة إلى حد ما . من التطورات المألوفة أن ينساق الزوج والزوجة مع الضغوط فيوافقان على الخيار الصعب ، أي الطلاق ، أو موافقة الزوجة على عقد قران الزوج على امرأة أخرى وهذا ما تقبل به الزوجة . من هنا تبدأ تراجيديا بطلة الفيلم مريم . فهي في البدء ترافق زوجها لاختيار شريكة حياته الجديدة وتحضر إجراءات الخطوبة ، لكنها إذ تتسلل الى حفلة العرس فيما بعد ، وتنضم الى المهنئين ثم تقوم وتبادر بالرقص أمام العروسين ، تنهار فجأة ، في مشهد شديد التأثير.


في النتيجة يتفق زياد ومريم ، اللذان استمر كل منهما يحب الآخر بصدق ، على الطلاق علنا أمام الناس ، على ان يبقيا زوجين سرا رغم ورقة الطلاق .


هنا يبدأ ما هو غير مألوف في حكاية مريم وزياد الذي يعيش حياة مزدوجة .
تعود زوجة زياد الى القرية بعد خلاف معه فيستغل زياد غيابها فيطلب من مريم المبيت عنده . في تلك الليلة تعود الزوجة دون سابق إنذار مع شقيقاتها لجلب بعض أغراضها ، فيتفاجأن بمريم وحيدة وعارية في السرير فيشبعنها ضربا . وهو مشهد مؤثر جدا زاد من قوة تأثيره أيضا براعة بطلة الفيلم في أداء هذه المشهد الشديد الصعوبة والتعقيد .


نتيجة هذه الفضيحة تختفي مريم من حياة زياد لمدة ثلاثة أعوام فلا يعرف عن مصيرها شيئا . أثناء تلك الفترة يتصالح زياد مع زوجته التي غفرت له تصرفه ، وتنجب له الزوجة طفلا يحمل اسمه .


بعد ثلاث سنوات ، تعود  مريم ، التي صار شكلها هرما ، ذات مساء لتلتقي بزياد وتتنزه معه في سيارته حيث سيتبادلان الذكريات ويستعيدان مشاعر الحب المتبادل التي لم تخفت يوما في قلبيهما . وثمة لحظة في هذا اللقاء مرسومة بذكاء شديد نعرف منها أن والدة زياد توفيت دون أن ترى حفيدها وان والدة مريم توفيت أيضا . وهذه المعلومات تقال ضمن حوار يتم التلفظ بمضمونه وكأنه نكتة مضحكة ، يضحك لها الاثنان بقوة . بعد ذلك يوصل زياد مريم إلى الحي الذي تقيم فيه حيث ستدخل من بوابة مبنى سكني يقع بقرب مستشفى للأمراض العقلية . وحين يبتعد زياد بسيارته سيتفاجىء المشاهدون بتسلل مريم من المبنى ثم عبورها بهدوء بوابة مستشفى الأمراض العقلية . بعد فترة من الزمن سيتلقى زياد اتصالا من المستشفى يبلغه بوفاة زوجته  ليكتشف أن الميت هو مريم التي سجلت نفسها في المستشفى باسم زوجة زياد .


   في بداية الفيلم وبعد مشهد عاطفي بين الزوجين زياد ومريم ، يعرض المخرج مشهدا غامضا نرى فيه تفاصيل يد تتحسس أجزاء جسد امرأة والمساء ينساب فوقه ببطء وتنضم الى هذه اللقطات داخل المشهد صورا لخيط ماء يسيل من مزراب صغير . ولكن المشهد برمته لا يفصح عن مضمونه . يتكرر عرض هذا المشهد أكثر من مرة في الفيلم وبنفس الغموض الذي لا ينجلي إلا في المشهد الأخير. ويستخدم المخرج نفس الطريقة في عرض مشاهد مريم وهي تروي حكايتها للمشاهدين ، الذين سيكتشفون في اللحظة الأخيرة ان مخاطبة مريم المباشرة لهم ، لم تكن مباشرة حقا ، إنما هي صور مسجلة على شريط فيديو يشاهده زياد بعد موتها .كان الفيلم قد حاز على جائزة أفضل فيلم أول من مهرجان قرطاج السينمائي .