لمحة تاريخية عن التسامح

أدريان بريدجووتر  متخصص في شؤون تطوير البرمجيات وإدارة المشاريع والتكنولوجيا
أدريان بريدجووتر متخصص في شؤون تطوير البرمجيات وإدارة المشاريع والتكنولوجيا

أدريان بريدجووتر

متخصص في شؤون تطوير البرمجيات وإدارة المشاريع والتكنولوجيا

كثيرةٌ هي المقولات المُلهمة التي تتحدث عن التسامح. وإذا ما نظرنا إلى التسامح كوسيلة لوصف السلوك البشري، فسنجد أن الكثيرين يعتبرونه فضيلة بشرية ومقياسا للنزاهة والصلاح.اضافة اعلان
وبينما نحن في انتظار أحد الكتّاب ليقدّم لنا "لمحة تاريخية عن التسامح بين البشر على كوكب الأرض"، يمكننا أن نتحدث عن المبادرة التي أطلقتها "اليونسكو"، وحدّدت يوم 16 من تشرين الثاني (نوفمبر) للاحتفال باليوم الدولي للتسامح.
ما الذي تحتاجه، إذن، لتكون شخصا (أو قائدا) متسامحا؟ وما هي السمات الأساسية التي يتحلى بها الأشخاص المتسامحون؟
1. التسامح هو أُولى علامات التواضع
يشتهر الروائي الروسي ألكسندر إيزايفيتش سولجينتسين بمقولته: "إنه قانون كوني؛ فالتعصّب هو أولى علامات الافتقار إلى العِلم. والشخص الجاهل هو من يتصرف بنفاد صبر وغطرسة. أما العِلم الحقيقي فيربّي في النفس فضيلة التواضع".
كان سولجينتسين خيرَ من يتحدث عن التسامح؛ فقد عاش ما يقرب من عشر سنوات من السجن في معسكرات العمل القسري، ثم تعرّض للنفي من بلاده، وانتهى الأمر بفقدانه جنسيته. وهكذا أصبحت المساواة شغله الشاغل حتى إنه وصف مفهوم "مركزية الإنسان" (الذي يعني سموّ الجنس البشري على الأجناس الأخرى كافة) بأنه من بين الأمور الأقل تفضيلا لديه. كان سولجينتسين يفيض تسامحا، وكان له دور رائد كداعم لتمكين المجتمع.
2. قانون التسامح في الإسلام
في مقال لوكالة رويترز، أشار الكاتب اللبناني محمد بَزّي إلى كتاب الروائي اللبناني أمين معلوف الذي يحمل عنوان "باسم الهوية: العنف والحاجة للانتماء".
في هذا الكتاب القصير، يحدّثنا معلوف عن تاريخ الفتوحات الأولى التي شهدها القرنان الثامن عشر والتاسع عشر، ويتناول بالتفصيل "قانون التسامح" في الإسلام، الذي وصل بحسب قوله إلى اسطنبول، عاصمة الإمبراطورية العثمانية آنذاك، التي كان يسكنها الكثيرون من غير المسلمين.
كتب معلوف: "منذ البداية ومنذ ذلك الحين، عكس تاريخ الإسلام قدرة هائلة على التعايش مع الآخرين".
3. مانديلا ومسيرة طويلة في رحاب التسامح
عندما تعرَّض نيلسون مانديلا للسجن العام 1962 في ظل نظام الفصل العنصري آنذاك، لم يخطر ببال أحد أن هذا الرجل سيتولى حكم البلاد كأول رئيس أسود لجمهورية جنوب أفريقيا في 27 نيسان (إبريل) 1994.
واليوم، يُنسَب هذا الإرث الذي تركه مانديلا إلى تحلّيه بالمرونة وسعيه نحو الانتصار المحقَّق. وقد اشتهر مانديلا بوضوحه، وبلاغته في الحديث، وأسلوبه الودود في التعامل. وهكذا، فإن ثباته وعزمه يجسّدان أسمى صور التسامح للكثير من الناس، وهو إرثٌ سوف يدوم لسنوات مقبلة.
وهنا أيضا نرى الدفاع عن الإنسانية وحقوق الإنسان الشغل الشاغل لتفكير مانديلا الذي قال: "يجب أن تستند العلاقات الخارجية المستقبلية لجنوب أفريقيا على إيماننا الراسخ بأن حقوق الإنسان لا بد وأن تكون أساسًا للعلاقات الدولية".
4. غاندي
تطلق إيليك بويمر، الأستاذة بجامعة أكسفورد، مصطلحا خاصّا للإشارة إلى كبار الزعماء أمثال نيلسون مانديلا ومهاتما غاندي، فتصفهم بأنهم "رموز عالمية للعدالة الاجتماعية". فقد تصدّى غاندي هو الآخر للتمييز، ودعا إلى نبذ العنف وإحياء قيم التعددية والوفاق.
وفي الوقت الذي تعرض فيه للسجن، نفّذ غاندي إضرابا عن الطعام تعبيرا عن رغبته في السلام. واليوم، ما يزال معروفا بانضباطه الذاتي وتعاطفه مع أشكال الحياة كافة. لقد كانت فلسفة "سيادفادا" التي تبناها غاندي للدعوة إلى التسامح (والتي يُطلق عليها أحيانا "نظرية تعدد الرؤى") تقوم على الاعتقاد بأنه يجب علينا نحن البشر النظر إلى أي فرد أو كائن من زوايا مختلفة وأن نحاول جاهدين فهم هؤلاء الأفراد.
5. نصب لنكولن التذكاري
نال أبراهام لنكولن الإشادة والاحتفاء بوصفه واحدا من أهم الآباء المؤسسين لأميركا المعاصرة. لُقِّب الرئيس السادس عشر للاتحاد بلقب "أبراهام الأمين"، حيث يُقال إنه قطع مسافة عدة أميال ليعيد بقية النقود لأحد الزبائن عندما كان يملك أحد المتاجر.
ورغم هذه القصة غير المؤكَّدة، يظل إرث لنكولن الخالد قائما على عمله الدؤوب من أجل إنهاء العبودية في الولايات المتحدة الأميركية في منتصف القرن الثامن عشر. فقد أيّد مبدأ "المساواة بين جميع الرجال" وهو المبدأ الذي لا ينقصه اليوم سوى إضافة كلمة واحدة، هي "والنساء".
6. أون سان سو تشي
تتصدر ميريد كوريغان وبيتي ويليامز، اللتان اشتهرتا بعملهما في حركة السلام بشمال أيرلندا، قائمة الحاصلات على جائزة نوبل للسلام. والآن في العام 2016، تختتم هذه القائمة مالالا يوسفزاي المعروفة بنشاطها في مجال حقوق الإنسان ومساندة قضية التعليم.
وقد مُنحت السيدة البورمية أون سان سو تشي جائزة نوبل للسلام عن نضالها السلمي في الدفاع عن حقوق الإنسان.
وكغيرها من صانعات السلام التي تحفل بهم هذه القائمة، فقد اشتهرت سو تشي بعملها الدؤوب نحو تعزيز أواصر الأخوة وقيم السلام. ورغم وضعها قيد الإقامة الجبرية لمدة 15 عاما، فإنها وضعت نصب أعينها رفاه أهل بلادها قبل رفاه عائلتها، وهكذا عُرفت بصلابتها، وقوتها، والأهم من ذلك كله تسامحها.
7. التسامح عبر وحدة الاتحادات
شهدت المملكة المتحدة استفتاء لاتخاذ قرار بشأن الخروج من الاتحاد الأوروبي أم البقاء فيه. ورغم أن آراء المؤيدين والمعارضين كان يجب أن تحددها الأوضاع الاقتصادية والسياسة العامة، فإن شبح التعصب القومي ما يزال يتحكّم في قرارات بعض المقترعين.
لا بد إذن أن تسمو قيمة التسامح فوق الظروف الاقتصادية والسياسية وفوق الانتماءات العرقية أو العقائدية أو الدينية، وهي أمور معروفة بالبديهة لدى الزعماء الذين يتحلّون بهذه القيمة.
8. آينشتاين
إذا ما كان هناك أي شكٍّ في أن التعليم يربّي في النفس فضيلة التسامح، والتي تثمر بدورها عن قبول التنوع ومن ثم تمكين المجتمعات، فلا بد أن نختتم بالحديث عن ألبرت آينشتاين.
قال آينشتاين: "القوانين وحدها لا تضمن حرية التعبير؛ ولكي يتسنّى لكل إنسان التعبير عن آرائه من دون التعرض للعقوبة، فلا بد أن تسود روح التسامح بين جميع البشر".
ختامًا، لم تقتصر معاناة أغلب الأشخاص الذين ورد ذكرهم في القائمة أعلاه على تحمّل العناء الشخصي فحسب، بل إنهم تعرّضوا لإدانة واسعة النطاق، وفي بعض الحالات أيضا تعرضوا للعنف الجسدي نتيجة التعبير عن معتقداتهم المتسامحة. ومع أننا قد نتصوّر أن حُب المرء لبني جنسه يسود على نطاق واسع في العصر الحديث،  فالحقيقة أننا ما نزال بحاجة إلى إلقاء نظرة إيجابية على هؤلاء الذين ينادون بإعلاء قيمة التسامح في المجتمعات حول العالم.
علينا أن نعمل على نشر التسامح على الصعد كافة لتعزيز وحدة الأمم في شتى أنحاء العالم.