لننثر الرمال ذهبا!

 

على مدى 25 كم تقريبا او اقل، من بداية الطريق نحو البحر الميت وحتى مركز الحسين للمؤتمرات حيث منطقة الفنادق، يشاهد راكب السيارة الكثير من لوحات الاعلانات الكبيرة (على الوجهين) التي تضعها سلطة منطقة العقبة الخاصة، لتحث اصحاب المال على الاستثمار. وبسبب كثرة الاعلانات على هذه المسافة القصيرة، يصبح من السهل ان تحفظ الاعلان "لننثر الرمال ذهبا"؛ وان يصبح شكل الفتاة، التي من المؤكد انها غير اردنية ومن رعايا شركة الاعلان، شكلا مألوفا!

اضافة اعلان

لكنك، ايضا، تصاب بالضجر لكثرة اللوحات، وتسأل: لم كل هذه "الغلبة"؟ وهل كثافة الاعلانات هي الهدف، ام ان من يستعملون هذه الطريق، من اهالي الشونة الجنوبية وابناء غور الصافي وموظفي وعمال البوتاس، هم الذين تطلب منهم السلطة ان ينثروا الرمال ذهبا؟!

ومن خلال تجربتنا الاردنية مع الهيئات والوثائق والمنتديات، وحتى المؤسسات، فان "قلة الشغل تعلم الاعلانات"! وقد تشكلت لدينا عقلية ادارية تعتقد ان الحداثة والتطور يستدعيان التعاقد مع شركات الاعلانات؛ مرة لتروج للانتماء، واخرى للفكر والوطنية! واحيانا تكون الاعلانات بلا دلالة، الا ما يمكن فهمه في سياق آخر.

ما تحتاج اليه سلطة العقبة هو ان تنثر اعلاناتها حيث يمكن جلب الاستثمار الذي يتحول الى ذهب. وهي تنشر بعض الاعلانات في الفضائيات، لكنّ هناك فرقا بين السياحة والاستثمارات وصناعة الاقتصاد. فالسياحة قد تخدمها الاعلانات، لكن اقناع رجال المال بفرص الاستثمارات، وانهم سيحققون الارباح، يحتاج الى جهود من نوع آخر تبذل ادارة السلطة بعضا منها، وتتحول الاعلانات الى بند انفاق فقط من دون مردود حقيقي.

ومع التقدير لكل الجهد والعمل الدؤوب الذي تقوم به المفوضية، فان مشكلة "العقبة الخاصة" انها فكرة قامت على المبالغة "والتزويق"، واعتبرها البعض في بدايتها سلاحا سياسيا في تجاذب النخب، وكان هناك استغلال لضغط المشكلة الاقتصادية لإعطاء الفكرة، وما انبثق عنها من هيئات، دلالا وامتيازات. لكن السنوات اثبتت ان ما عاد من الفكرة اقل بكثير مما حظيت به من امتيازات، واقل بكثير جدا من التسويق. فما جرى هو نثر الآمال والاحلام  على شاشات العرض الالكترونية! وهذه الطريقة الاستعراضية في العمل تحولت الى عبء على كل من تولى ادارة المنطقة الخاصة؛ لان نثر الاحلام من دون واقعية، ومن دون ادراك لظروف الاستثمار في المنطقة، وواقع السياسة والحروب والازمات، كان على حساب المصداقية.

هنالك جهد، وهنالك ثمار، لكنها عادية قياسا الى الامتيازات التي حظيت بها "العقبة الخاصة"، ونظرا ايضا إلى ما تتمتع به من ميناء وتاريخ ومناطق سياحية.

ليس هنا المقام لتقويم التجربة، لكن الاعلانات اعادت تذكيرنا بتجربة تم وصفها، في اليوم الذي تمت فيه مباركة الفكرة في نيسان 2000، بأنها ستكون قصة نجاح اردنية. وهذا ما تمنيناه جميعا، ونتمناه حتى الان.

وكثافة الاعلانات في مسافات قصيرة -وقد تكون ممتدة ايضا حتى باب العقبة- تشبه اليافطات التي نقرأها، وتكون متلاحقة، وتحمل عبارات "افراح آل فلان"، او "عزاء عشائر..."، فلا يستريح نظرك من لوحة حتى تجد اختها، وكأنها مجانية او من دون تكلفة! والاهم ان "نثرها" بهذه الطريقة البدائية غير موفق، ولا يعبر عن ذكاء اعلاني او اداري.

[email protected]