لننجح استثماريا كما ننجح سياسيا

يتحرك الأردن، بقوة وحكمة واستشراف قيادته، على مختلف الصعد في المنطقة والعالم، من واشنطن وقمة جلالة الملك عبدالله الثاني الناجحة مع الرئيس الأميركي جو بايدن مؤخرا، إلى قمة على مستوى النجاح نفسه وأكثر في موسكو مع الرئيس فلاديمير بوتين، وقبلها قمتا بغداد وأثينا، إلى قمة القاهرة مؤخرا، إلى اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك قريبا. وكل هذا، وما سيأتي بعده، يؤشر على مدى الفاعلية السياسية والدبلوماسية للدولة وقيادتها.اضافة اعلان
وبهاتين القوة والفاعلية نفسهما، على الحكومة التحرك داخليا، ولكن من بوابة جذب الاستثمارات، وفي هذا وحده مدخل خلاصها وخلاصنا جميعا، ولو بعد حين وعلى مراحل، من أهم مشكلتين تؤرقان مضجع المجتمع الأردني، ألا وهما البطالة والفقر.
وللحديث بإيجابية، فقد أحسنت الحكومة بوضع يدها على أهم معوق لتدفق الاستثمار، وهو وجود 44 قانونا وألف نظام ونحو 800 من التعليمات الخاصة بالمنظومة والبيئة الاستثمارية، وكلها تتقاطع للأسف، وتسبب إرباكا في المشهد الاستثماري، خصوصا بوجود 52 وزارة ومؤسسة عامة لها علاقة بالاستثمار بشكل أو بآخر!
الخطة التي تعمل الحكومة عليها، وكما أفاد وزير التخطيط والتعاون الدولي ناصر الشريدة، في لقاء مؤخرا، تكمن في توحيد جميع هذه القوانين والأنظمة والتعليمات في قانون واحد، وهذا فعل رائد، لكن عامل الوقت سيلعب دورا كبيرا. فالعالم يتعافى بسرعة من وباء كورونا وشروره، والاستثمارات ستتدفق إلى المنطقة، والمستثمرون متعطشون للعمل بعد نحو عامين من الجمود، والأسوأ الخسائر في الحياة الاقتصادية. وعليه، فلا بد من إنجاز الأمر بالسرعة الممكنة، وإعطاء قانون الاستثمار الجديد صفة الاستعجال القصوى لإقراره ودخوله حيز التنفيذ. وهنا على الحكومة كذلك العمل على مراجعة ملف الكلف على المستثمر، خصوصا الطاقة، والعوائد على المجتمعات المحلية، ومدى استفادة الأيدي العاملة الوطنية من المشاريع الاستثمارية وغير ذلك.
ومن جانب آخر، فالأردن يملك مشاريع استثمارية كبرى، وعلى الحكومة وبالشراكة مع القطاع الخاص الوطني العمل باستباقية، وتنشيط قنوات اتصالها، وهي كثيرة، مع رجال الأعمال محليا وعربيا ودوليا، ووضع هذه المشاريع على راداراتهم، وقد يكون تفعيل عمل السفارات الأردنية في الخارج في هذا المضمار عاملا مساعدا قويا، من خلال الوصول إلى كبار رجال الأعمال في الدول العربية والأجنبية، وترتيب زيارات لهم لاستكشاف الفرص الاستثمارية، وفي هذا بناء على النجاح السياسي والدبلوماسي للدولة والقيادة.
ولضمان النجاح أكثر في الاستثمار، فإن التوجه للاعتماد أكثر على الأتمتة سيسهم إلى حد كبير في كبح الممارسات السلبية للعنصر البشري عند تطبيق نصوص القوانين والأنظمة والتعليمات الخاصة بالاستثمار. وهذا من ضمن أولويات الحكومة، بحسب الشريدة.
نحن لا نملك ترف الوقت، ويجب علينا جميعا، حكومة وقطاعا خاصا ومواطنين، الخروج من دائرة الحديث فقط عن أهمية الاستثمار وجذبه للحد من البطالة والفقر وتوفير البيئة اللازمة لذلك، وما يتبعه من تجاذبات وخلافات هنا وهناك، إلى دائرة تضمن جميع عناصر النجاح الاستثماري واقعا على الأرض، والحديث فعلا عن الأردن قصة نجاح في ذلك على مستويي المنطقة والعالم.
الجهود السياسية والدبلوماسية الملكية في مختلف بقاع المعمورة، التي تهدف إلى حماية المصالح الوطنية العليا، تحظى باحترام وتقدير العالم شرقا وغربا على مستوى الدول والقطاع الخاص، والأردن داخليا من الدول الأكثر أمنا واستقرارا، ولا ينقصنا إلا أن تكتمل الصورة بأداء ونتائج اقتصادية على مستوى طموح القيادة والشعب. والكرة في ملعب الحكومة لتصل بنا إلى استقرار ثابت في المنظومة والبيئة الاستثمارية، والحديث في المستقبل القريب عن حجم الإنجاز واقعا ملموسا. فقد مللنا حقيقة الحديث عن المعوقات، ونتطلع جميعا إلى النتائج وخيرها على الوطن. "وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ".