لن تغيروا عجلة التاريخ

في هجومهم العنصري ضد اللاجئين السوريين، أخرج بعض النواب أسوأ ما لديهم. ليس فهذا فحسب، بل هم ارتكبوا خطأ فادحا بتغييبهم حقيقة أن الأردن كان دائما ملاذا للمنكوبين والمظلومين.اضافة اعلان
إغاثة المنكوبين ليست جديدة على الأردن الرسمي والشعبي. وهذا البلد طالما قدم أنموذجا إنسانيا سامياً في التآخي والود؛ فلماذا يسعى البعض إلى انتزاع هذه السمة الرفيعة عنه؟
لا أستطيع أبدا تفسير مثل هذا الموقف الذي لا يتوافق أبدا مع الأعراف الإنسانية والدولية، ويخرج عما اعتاد الأردنيون القيام به.
النواب في هجومهم غير المتوقع، قدموا طرحا أساء للشعب الأردني قبل أن يجرح الأشقاء السوريين الذين قدّموا أكثر من مئة ألف شهيد، حتى الآن، من أجل الحرية والكرامة، وهم ما يزالون يقفون في وجه نظام دموي، يبدو مدركاً أن سقوطه المدوي مسألة وقت، ما يجعله يضاعف من استخدام آلة الحرب ضد شعبه وناسه.
ليس من أخلاق الأردنيين أن يردوا الضيف والمحزون. والهجوم الإقليمي ضد الإخوة السوريين إنما يعبر عن قصر نظر، تغيب عنه المبادئ الإنسانية.
لم يكتفِ نوابنا الكرام بالتعبير عن غضبهم من استقبال السوريين، بل ذهبوا أبعد من ذلك، حينما دافع بعضهم عن النظام الأسدي، مطالبين بإغلاق الحدود بوجه الشعب الذي يفر من القتل والدم.
ألهذا الحد وصلنا؟!
الظاهر أن النواب لم يقرأوا التاريخ، فلا يعلمون أنهم بمواقفهم المتطرفة هذه لن يفيدوا النظام الذي يدافعون عنه بشيء، لأنه فاقد للشرعية، وقراءة حركة تاريخ الأمم تقول إنه ذاهب إلى زوال مهما فعل حلفاؤه وأصدقاؤه.
للسوريين الحق في تقرير مصيرهم. وهم أكثر من غيرهم كانوا يعلمون أن ثمن الحرية والعدالة باهظ، لأنهم الأدرى بنظامهم، ومنهم من عانى منه عقودا طويلة، وتعايش مع القمع والخوف والظلم والتمييز والقتل. والمتتبع لحركة التاريخ يعلم أن هذه الوصفة لن تدوم، وأن نهاية مثل هذه الأنظمة تأتي دائما على أيدي شعوبها.
التبريرات المستخدمة للهجوم على إخوتنا السوريين هشة وضعيفة ولا تقنع طفلا. وكل الحديث اليوم عن الممانعة لا يعني شيئا في ظل الحديث عن دولة علوية، تبدأ من الساحل وتنتهي على الحدود مع إسرائيل، وهو السيناريو المقبول من العدو؛ فعن أي ممانعة تتحدثون؟!
ما من شك في أن لوجود السوريين كلفا مالية كبيرة على الاقتصاد الأردني الصغير ومحدود الموارد، إذ تقدر الكلف السنوية بحوالي مليار دولار سنويا.
والجميع بات يعرف أن إيواء نصف مليون لاجئ، عددهم معرض لأن يتضاعف مع نهاية العام، ليس أمرا هينا. ونقاش مثل هذه المواضيع ضرورة، حتى يتحمل المجتمعان الدولي والعربي مسؤولياتهما تجاه اللاجئين.
لكن الأردن بلد تعوّد على إجارة المظلومين، واقتسم مع إخوته العرب ما لديه. وخلال العقدين الأخيرين مر بمثل هذه الأحوال، واستطاع تجاوزها، فلماذا يختلف الموقف اليوم؟
لربما يظن البعض أن الهجوم على اللاجئين السوريين يقوّي النظام، ويحرج المعارضة. لكن ذلك غير واقعي وغير عملي وغير إنساني، فالتعامل مع الإخوة السوريين لا يكون إلا من منطلق ما تعوّد عليه هذا البلد وأهله، من عون إخوتهم ودعمهم في قضاياهم العادلة التي تبدو نتيجتها محسومة. فلا يعتقدنّ ذلك البعض أنه سيغير حركة التاريخ.

[email protected]