لِمَ المركزية الشديدة ؟؟!!

حتى الرحلات الداخلية يجب على المدرسة العامة والخاصة أن تطلب من وزارة التربية والتعليم الموافقة المسبقة عليها. لكن ما المعايير التي لديها التي يجب على المدرسة الالتزام بها لتحصل على الموافقة ؟ اضافة اعلان
هل هو الوقت من السنة؟ هل هو المكان المستهدف؟ هل هي المسافة المناسبة لأعمار التلاميذ والتلميذات؟ هل هو الهدف من الرحلة: مغامرة(محسوبة) أو ترويح، أو تعليم وتعلّم...؟ هل لدى المسؤول فكرة واضحة عن طبيعة المكان، أو الطريق، ومناسبة الزمان، فيزود المدرسة بمعلومات خاصة عنها، وبأسئلة للتلاميذ أو التلميذات. ليحاولوا معرفة أجوبتها؟ هل بلّغت الدفاع المدني عن الرحلة موعداً ووسيلة ومكاناً؟ هل للمسؤول شروط يجب على المدرسة تلبيتها خاصة بالعدد، أو بالوسيلة... أو المكان أو الزمان للموافقة على الرحلة؟ هل يزود المدرسة بما يجب أن يكون عليه سلوك التلاميذ والتلميذات في الباص أو (الطائرة) والطريق (أو المطار) والمكان المستهدف، مثلاً أن لا يخرجوا رؤوسهم من شبابيك الباص، وأن يمتنعوا عن البصق (أو التدخين) وأن يلبسوا أحذية أو ملابس ملائمة للوقت والمكان؟ هل ينتدب المسؤول موظفاً من عنده لزيارة المدرسة مسبقاً والالتقاء بالإدارة والمعلمين أو المعلمات المرافقين، والتلاميذ أو التلميذات المشاركين، لتثقيفهم في موضوع الرحلة وسيرها,... وكيف يتصرفون في حالة طارئة أو مفاجئة؟ هل لدى الوزارة أدلاء على دراية بخصائص المكان المستهدف وجاهزون لمرافقة الرحلة؟ هل لدى هذا الموظف ما يقول للمشاركين، أم أن المسؤول ليس لديه أحد، ويُعين في المركز أو يُنقل إليه بالتشكيلات الإدارية دون أن يكون له علاقة بالموضوع؟
ولما كان الأمر ليس كذلك، فإن المسؤول ليس بأفضل معرفة وعلماً وحكمةً وإدارةً من أي مدير/ة مدرسة ليطلب إذناً مسبقاً منه للقيام برحلة. إن إكراه المدرسة على طلب إذن من مسؤول ليس لديه ما يضيفه لإغناء الرحلة وإنجاحها، ليس سوى تشديد للمركزية وتضييع للوقت وتوسيع للسلطة على المدرسة، ومنعها من التفكير بحرية حتى في ترتيب رحلة؟ لو كان لدى الوزارة أجوبة للأسئلة السابقة، لكان الإذن ضرورياً.
قد يستغرب قارئ ما أطالب به وأدعو إليه فيصرخ: يجب أن تطلب كل مدرسة إذناً مسبقاً من الوزارة ضماناً للسلامة، ولكن هل تستطيع الوزارة أو أي جهة أن  تضمنها؟ لا أحد يضمن أو يتعهد بضمان السلامة أبداً ولكن الحذر واجب، فكثير من المشكلات والمصائب تقع نتيجة أخطاء بشرية . وقد يقع حادث في أثناء مجريات الرحلة لم يخطر على بال أحد، كما حدث في مأساة البحر الميت.
تسأل النائبة المحترمة عن المغامرة وماذا يقصد بها وتنسى أن الحج -أيضاً– رحلة فيها مغامرة قد تقع فيها مفاجآت مؤسفة (وقد وقعت) يذهب بها المئات (وقد ذهبوا) فهل نطالب بوقف الحج؟ إن الأجر على قدر المشقة (المغامرة).
لعل الشرط الأول وربما اللازم لترتيب رحلة مدرسية الاتفاق بين المدرسة والتلاميذ أو التلميذات وذويهم على القيام بالرحلة ليس بالمراسلة، وإنما بالحضور والمناقشة لتعريفهم بالرحلة هدفاً ووسيلة ومدة وكلفة. أما الشرط الثاني فهو التأمين على الرحلة. وأما الشرط الثالث فتبليغ إدارة الدفاع المدني عنها لمتابعتها وللاتصال بها فوراً عند اللزوم. وأما الشرط الرابع فهو مسؤولية الجهة أو الجهات المختصة التي يجب عليها أن تضع شواخص واضحة موجهة ومحذرة عند كل نقطة ذات خصوصية.
وفي جميع الأحوال يجب أن لا يُستغل حادث البحر الميت المأساوي لمنع الرحلات المدرسية فهو القرار الأسهل المريح للراس. فبمقتضى هذه العقلية يجب أن يُمنع مرور المركبات والناس على الطرق في جميع الأحوال والظروف كي لا تقع حوادث المرور. لكننا مع ذلك نستمر بالمرور مهما كان الأمر لأن الحياة لا تتوقف. والانسان المتحضر يستعد ويتعلم بالاستباقية (Anticipation  ) وليس بالصدمة (Shock) كما كان بفعل الإنسان البدائي فيصحو. واللجان الكثر التي تشكلت للتحقيق في المأساة أشبه بمحاولة التعلّم بعد الصدمة أو بالعليق بعد الغارة.
من المؤسف أن بعض المتداخلين - أحياناً يوصفون بالخبراء - يدعون أسباباً وعوامل للحادث ليست صحيحة وقد نفتها الوزارات المعنية، من مثل أن السد لم يفتح، وأنه لا يوجد له بوابات وأن ما فيه من المياه قليل، وإلا لكان لا لزوم له إذا ظل ممتلئاً حتى الشتاء القادم. ومع هذا ظلوا ينسبون الحادث إلى ما يرغبون فيه وهم قاعدون. لم يذهبوا إلى هناك لدراسة الوضع على الأرض وتزويد الجمهور بالصور الدالة على ما يدّعون، وتفسير إغلاق الصخور المتدحرجة والأتربة المنزلقة من الجبال للطريق العام بعيداً عن السيل.
وأخيراً: قلما يعرف الواحد تفاصيل ظواهر وطنه الطبيعية والطبوغرافية، لأننا تربينا على الخوف من الحركة والمغامرة (المحسوبة). لم تربط المدرسة في الماضي وربما إلى اليوم التعليم بالحركة في البيئة الواسعة أو بالمكان الوارد ذكره في الكتاب، فيقتصر التعريف عنه للتلاميذ والتلميذات بالكلام غير الدقيق الذي لا يقرّبه إليهم، ولا يستقر في ذاكرتهم، فيبقى الوطن عندهم مبنيا للمجهول فلا يميزون بين مدينة الزرقاء، وواحة الأزرق، وزرقاء ماعين.
 "ولي وطن آليت ألا أبيعه  
وأن لا أرى غيري له الدهر مالكا
وحبب أوطان الرجال إليهم
مآرب قضاها الشباب هنالـكا"