مأزق الانتصار ومأزق الهزيمة

‏عندما تقع حرب أو معركة، يكون هناك منتصر ومهزوم. ويجب أن يعرف الطرفان متى وكيف ينهيان هذه المعارك والحروب. فإذا واصل المنتصر الحرب بعد انتصاره، يتحول إلى وحش يأكل نفسه؛ وإذا واصل المهزوم الحرب وهو يعلم أن مواصلتها تزيد الخسائر والنزف، فإنه يواصل تقديم هدايا وانتصارات مجانية لعدوه.اضافة اعلان
المقاومة المسلحة ضد إسرائيل فشلت العام 1970 عندما تحولت البنادق للسيطرة على المدن والسلطة في الأردن. ولم يكن ثمة حاجة لانتقالها إلى لبنان؛ كان يجب أن تصفي نفسها وتتحول إلى حالة أو صيغة جديدة مختلفة. على أي حال، كررت الخطأ نفسه، وتحولت إلى جزء من الحرب الأهلية في لبنان. واحتلت إسرائيل جزءا من جنوب لبنان، ثم اجتاحت معظم لبنان. وكان يجب أن توقف المقاومة نفسها وتتحول.
ثم بدأت مقاومة لبنانية، نجحت في تحقيق الانسحاب الإسرائيلي من لبنان العام 2000. وهنا حدث العكس؛ لم يعرف المنتصر كيف يوقف المعركة. تحول حزب الله بإصراره أو ادعائه المقاومة إلى ورم سرطاني في لبنان وسورية.
الانتفاضة الفلسطينية كانت صحوة لا بأس بها العام 1987، ولكنها أيضا لم تعرف كيف تتوقف. تحولت إلى انتفاضة عسكرية العام 2000، وكانت في الحقيقة تدميرا للذات. والشيء نفسه يمكن أن يقال عما حدث في غزة العام 2008، والعام 2014، وقبل ذلك ما حدث في لبنان العام 2006.. العجز عن تجنب المواجهة.
المقاومة اليوم هي القدرة على تجنب المواجهة العسكرية مع إسرائيل، وبناء وجود فلسطيني قادر على البقاء والنمو، وليس جحيما يتمنى الفلسطينيون الخلاص منه. وتتضامن مع هذا الوجود وتدعمه وكالة فلسطينية عالمية، ودعم عربي ودولي؛ أهلي ورسمي.
أما تمجيد المقاومة والضرب على طبول الحرب من غير قدرة على الانتصار، فهما الوهم المؤدي إلى متوالية من الخسائر والدمار الذاتي. وفي اعتقادي أن الوهم لا يختلف عن العمل ضد الذات. وهذا يفسر، ببساطة، ما حدث في العام 1967، عندما كان جمال عبدالناصر يجول ويصول في الإعلام والاستعراض وهو غير قادر على الحرب. وفي الحقيقة لم يكن يريد الحرب، ولكنها كانت عملية سياسية تستهدف الرأي العام العربي، وتكريس السلطة والاستبداد في مصر، والتغطية على الهزيمة المرة المهينة في اليمن. إلا أن الاستخبارات الإسرائيلية كانت تدرك تماما العجز العربي عن خوض الحرب، وفاجأت العرب بهجمات معدة بتدبير محكم، دمرت الطائرات المصرية جميعها وهي جاثمة في المطارات، ودفنت الجنود المصريين أحياء في سيناء، واكتسحت الضفة الغربية والجولان في طرفة عين. ولم يجد "البعث العربي الاشتراكي" في سورية وسيلة للرد سوى أن يشكو إلى مجلس الأمن دخول القوات الإسرائيلية إلى القنيطرة.. والطريف أنها لم تكن وصلت إلى القنيطرة بعد!
ما نزال نعيش هزيمة 1967 وهذا مأزقنا.. وما تزال إسرائيل تعيش انتصار 1967 وهذا مأزقها أيضا.