مأسسة الزكاة!

لم ير المشروع العالمي للزكاة، الذي طرحه سمو الأمير الحسن بن طلال، قبل عدة أعوام، النور حتى الآن، وما يزال سموه متمسكًا بهذا المشروع، ويدفع به في أكثر من مناسبة، كان آخرها ما طرحه خلال ندوة عقدها منتدى الفكر العربي، في التاسع من الشهر الحالي. وبما أن الكثير، ليس على المستوى المحلي فقط وإنما على المستوى الدولي، يتحدث عن أن العالم، ومن ضمنه طبعًا الأردن، مقبل على أوضاع اقتصادية صعبة جدًا، زادتها سوءًا جائحة فيروس كورونا المستجد.. فلا بد من التفكير مليًا بذلك المشروع، وخصوصًا أن ثمانين بالمائة من اللاجئين في العالم هم مسلمون. وبما أن خبراء اقتصاديين يشيرون إلى أننا الآن حاليًا في فترة ركود وكساد، ومقبلون على انكماش اقتصادي، فلا بد من التفكير جديًا بإيجاد طرائق ومخارج للآثار السلبية التي ستترتب على ذلك الكساد ومن بعده الانكماش، والزكاة طريق مهم من تلك الطرائق. قد يكون تطبيق فكرة “مأسسة” الزكاة في دول العالمين العربي والإسلامي، صعبا، لعدة أسباب، الرئيس منها سياسي بحت.. فرغم أن مجموع عوائد الزكاة في العالم تقدر بـ400 مليار دولار أميركي سنويًا، إلا أن المعلومات والتحليلات تُشير إلى أن فقراء العالم سيزداد عددهم بين 70 مليونا و100 مليون، ليصل عددهم إلى مليار فقير. إذا ما تم استغلال، موضوع الزكاة على الوجه الصحيح، والعمل عليه بكل جدية وواقعية، وخصوصًا فيما يتعلق بمواضيع التعليم والصحة والمشاريع الصغيرة، فإنه حتمًا سيكون ركيزة أساسية في التغلب على الواقع الاقتصادي المأساوي، الذي يعيشه العالمان العربي والإسلامي.. فالأرقام تؤكد وجود 13.5 مليون إنسان في سورية، ونحو 21 مليون شخص باليمن، وحوالي 2.4 مليون في ليبيا، وما يقرب من 8.2 مليون بالعراق، يحتاجون إلى مساعدات إنسانية. قد يكون، كما قلت آنفًا، إنه من الصعب تطبيق مشروع مأسسة الزكاة، في هذه الدول، لأسباب سياسية، لكنه ليس من الصعب أبدًا تطبيق هذا المشروع في الأردن، وخاصة إذا ما علمنا أن نسبة الفقر تزداد يومًا بعد يوم، ومعدلات البطالة في ارتفاع، إذ وصلت نسبتها حتى نهاية الربع الثاني من العام الحالي لـ23 بالمائة، ومن المتوقع ارتفاعها لـ30 بالمائة مع نهاية الربع الثالث من هذا العام. الزكاة، ليست حلًا وحيدًا لإنقاذ الاقتصاد، والتخفيف من آثاره السلبية، لكن يمكن اعتبارها بابًا رئيسًا للتقليل من حدة معدلي الفقر والبطالة، وخاصة أن مصادر الرزق للكثير من الأيدي العاملة باتت مهددة، وتعرض المئات، إن لم يكن الآلاف من المنشآت، إلى خسائر، تُهدد بزوالها نهائيًا. لماذا لا يتم تقليد الغرب في الاستفادة من الوقف (الزكاة)، بموضوعي التعليم والصحة، فالغرب استفاد من ذلك بآلاف المليارات من الدولارات.. في الوقت الذي لا يتعدى ما يتم تحصيله من الزكاة في الأردن سنويًا الـ6 ملايين دينار، بعد أن كان مأمولًا أن تصل إلى 40 مليون دينار. يتوجب على الجهات كافة، حكومية أو أهلية أو مؤسسات مجتمع مدني، زرع ثقافة الزكاة أو الوقف، وجعلها في إطار تشريعي، فهي تكافل اجتماعي اقتصادي، يعود بالخير الكثير والفوائد الجمة على الوطن والمواطن، من خلال، على الأقل، حل مشكلات التعليم والصحة والمشاريع الصغيرة والمتوسطة.. وما يدل على صحة هذه الكلمات، إسهام صندوق الزكاة الأردني، نوعًا ما، بحل مشكلة النساء الغارمات، فضلًا عن تأكيد المفوضية السامية لشؤون اللاجئين بالأمم المتحدة أنها جمعت 43 مليون دولار من أموال الزكاة والصدقات تم صرفها مساعدات للاجئين، سواء أكانت مواد أساسية وإعانات نقدية. في خضم ما يمر به الأردن، من أوضاع اقتصادية مأساوية، يتوجب البحث بكل قوة عما ينجينا من الآثار السلبية للركود والانكماش الاقتصاديين، فمشروع مأسسة الزكاة، بما يتضمن من دعم لمشروعات صغيرة ومتوسطة والتغلب على المعوقات التي تواجه الصحة والتعليم، أحد الطرق التي تُسهم بالانتقال من الفقر إلى الكفاف، على الأقل!اضافة اعلان