غسان الطالب *
سبق أن تكلمنا في مقالات سابقة وفي هذا العمود من جريدة الغد الغراء عن معدل الليبور للتعريف به وكيف يتم تحديده والأسلوب الذي يتبع كمرجع لسعر الفائدة في الأسواق المالية العالمية، وأشرنا إلى أن معدلات «ليبور» تستخدم في بعض العقود المالية التي لا تنسجم مع أحكام الشريعة الإسلامية مثل الودائع لأجل وعقود المشتقات المالية والسندات، ثم طبقت هذه المعدلات في ما بعد في بعض العقود المالية الإسلامية مثل عقود الإجارة والمرابحة والصكوك الإسلامية، وتطورت الفكرة الى محاولة الاستفادة من هذه المعدلات بشكل أوسع في الصناعة المالية الإسلامية، إلا أن هذا التحول والتوجه لتطبيق أوسع لمعدلات «ليبور» لتقويم بعض المعاملات المالية الإسلامية، أدى الى خلق حالة من عدم التيقن لدى العديد من عملاء المصارف الإسلامية، وأن عمل هذه المصارف لا يختلف عن عمل المصارف التقليدية، خاصة في معاملات مالية ما تزال محل خلاف فقهي، مثل الصكوك الإسلامية وعمليات التورق التي تنفذها بعض المصارف الإسلامية.
ونتيجة الهزات المالية التي مر بها هذا المؤشر وعمليات التزوير التي استخدمتها اللجنة الخاصة به، من أجل تحقيق معدلات ربح عالية لمصالحهم، توجهنا إلى مصارفنا الإسلامية لحثهم لإيجاد البديل لهذا المؤشر المرتبط في أدائه بمعدل الفائدة، بمؤشر آخر ينسجم مع احتياجات المعاملات المالية الإسلامية، بعد أن قطعت شوطا كبيرا في مجال تحقيق المنافسة والتوسع والانتشار محليا وعالميا واحتلت مكانة لها في الأسواق المصرفية العالمية.
وفي خطوة جديرة بالاهتمام أصدر البنك الإسلامي للتنمية أول صكوك له في أسواق رأس المال العالمية مرتبطة بمؤشر (SOFR)، على اعتبار أن هذا المؤشر هو السعر القياسي العالمي الجديد، ليحل محل سعر الفائدة بين البنوك في لندن (LIBOR) وهذا هو ثاني إصدار صكوك للبنك الإسلامي لهذا العام، بموجب برنامج إصدار شهادات ائتمان بقيمة 25 مليار دولار أميركي، حيث يتضمن الطرح الآن آليات جديدة خالية من المخاطر.
ومؤشر( SOFR) الذي اعتمده البنك الإسلامي للتنمية هو عبارة عن سعر فائدة مضمون بين البنوك وسعر مرجعي تم إنشاؤه بديلا لـ LIBOR ويمثل مقياسا واسعا لتكلفة الاقتراض النقدي في ليلة واحدة بضمان سندات الخزينة الأميركية، يتم نشره بعدد من العملات ويدعم العقود المالية في جميع أنحاء العالم. نظرًا لأن سعر ليبور مشتق من الأسعار اليومية للبنوك لتكلفة الاقتراض ، حيث كانت البنوك قادرة على التلاعب بالمعدلات من خلال التلاعب في الاستطلاعات، عندها قرر المنظمون في المملكة المتحدة التوقف عن استخدام الليبور، كما يعبر عن التكلفة الفعلية للمعاملات في سوق إعادة الشراء بليلة واحدة، محسوبة من قبل الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك بضمان سندات الخزينة الأميركية نظرًا لأن السندات الحكومية الأميركية تعمل كضمان في الاقتراض ويعتبر معدلًا أقل خطورة مما يفضي إلى انخفاض تكلفة الاقتراض للمستثمرين والشركات ، وعلى الرغم من أن هذا المؤشر “”SOFR قد يساعد في حل مشكلة التلاعب والتزوير التي تحصل في مؤشر ليبور ، إلا أننا لسنا على يقين تام بأنه يساعد على قياس مدى ضغوط أسواق التمويل العالمية. وهذا يعني أنه ما زال بحاجة لبعض الوقت للتيقن من ادائه.
وبالعودة لمصارفنا الإسلامية فما زلنا نحثهم على التحرك والبحث عن ادوات مالية جديدة ومؤشر مالي يحمل هويتها وينسجم مع خصوصيتها وذلك بدعم البحث العلمي والشرعي وبوسائل نوعية تنعكس على أدائها وطرائق تفكيرها وفسح المجال بشكل أكبر للحوار الفكري والفقهي لتقليص فجوة الخلافات الفقهية في العديد من العمليات المالية محل الخلاف، لنرتقي بصناعتنا المالية إلى ما هو أفضل،عندها سيكون من الممكن إيجاد مؤشرات مالية تحمل خصوصية منتجاتنا المالية الإسلامية.
*باحث ومتخصص في التمويل الإسلامي