ماذا الآن؟!

لا نتوقع من شخصية سياسية مخضرمة من طرازٍ رفيع، مثل د. عبدالله النسور، أن يخطئ في تقدير نتائج قراره الأخير بزيادة أسعار المشتقات النفطية، وما يمكن أن يلقيه من ظلالٍ ثقيلة على برلمان جديد يسعى لتثبيت أقدامه، فيه خصوم شرسون للرجل، منقسم بشدة على تسمية رئيس الوزراء.اضافة اعلان
على الأغلب أنّ قرار النسور ينطوي على رسالة إلى مجلس النواب من جهة، ومراكز القرار الأخرى من جهة أخرى، بأنّه إذا تمّت تسميته رئيساً للوزراء، فإنّه سيأتي بشروطه هو لا خاضعاً وراضخاً لشروط الكتل البرلمانية، فإمّا أنّ يكون رجل المرحلة القوي، وإمّا أنّه يفضّل العودة إلى المنزل على أن يكون تحت مطارق النواب ما بين الانتقام والابتزاز‍!
نعم القرار يعكس ثقة مفرطة بالنفس (بغض النظر عن الموقف منه وحيثياته)، لكنّه في التوقيت الراهن سيُضعف كثيراً من فرصة الرجل لتسميته من قبل البرلمان، بعد أن انفرط ائتلاف الأغلبية (الذي كان متوقعاً أن يسمّي النسور)، وتشعر الكتل التي أعلنت تأييدها له بإحراج مع قواعدها الشعبية، وبدأت التداعيات الأولى مع كتلة الوسط الإسلامي، إذ خيّرته ما بين الرجوع عن القرار وما بين الحجب (وستعقد اجتماعاً اليوم لتحديد موقفها)، فيما لا تبدو حال كتلة الوطن (الأكبر حجماً) أفضل، فهنالك انقسام داخل الكتلة ما بين نواب يدفعون باتجاه النسور وآخرون يروّجون لوزير الداخلية الحالي د. عوض خليفات، الذي لا يتمتع - بدوره- بقبول من قبل الأغلبية البرلمانية، ولا بروافع سياسية من خارج البرلمان.
إذاً، بعد أسابيع من المشاورات والمفاوضات المكثّفة عدنا الآن إلى نقطة الصفر، بل خسر البرلمان محاولاته الأولى في تغيير الصورة النمطية وتشكيل كتل سياسية، إذ انفرط عقدها بسرعة، وبرزت – كما كان متوقعاً- الحسابات الفردية والأجندات الشخصية لأعضاء الكتل.
إذا كانت هذه الفوضى تسجّل على المجلس ونوابه، فإنّهم - للأمانة- لا يتحملون المسؤولية وحدهم، فحالهم كطالب في الصف الخامس الابتدائي طلب منه والداه تقديم الثانوية العامة وتحقيق علامة جيّدة فيها! وهو امتحان بالمقاييس كافة ظالم له وغير واقعي!
هذا الوضع لا يخدم، أيضاً، د. فايز الطراونة في الأوساط السياسية، إذ جاء بصورة خاصة للقيام بهذا الدور المحدّد، لكنه لم يحدّد معالم المهمة ولم يستطع الإمساك بالخيوط المطلوبة للوصول بالنواب إلى تكريس الآليات الجديدة، بدلاً من ذلك نسمع في أروقة المجلس انطباعات (قد لا تكون دقيقة أو صحيحة) حول تضارب موقف مراكز القرار تجاه الأشخاص المرشّحين، ما يزيد من حجم البلبلة والفوضى والتكهنات!
في مواجهة هذه الحالة، لن يأتي المخرج بـ"سلق حكومة"، كيفما اتفق، أو اختيار المتاح من الشخصيات، تحت ضغط الوقت، فمثل هذا الخيار سيمثّل ضربة قاتلة أخرى للمجلس الجديد. وإذا كان هنالك ما قد يحفظ "ماء وجه البرلمان" ويمتص التخبط الحالي بأقل الأضرار فهو العودة إلى الفكرة التي طرحتها النائب وفاء بني مصطفى بإبلاغ النواب الملك أنّهم يفضّلون تأجيل "الحكومة البرلمانية" إلى الدورة العادية، في حين يعين الملك الآن شخصية ويختار حكومته بوصفها ضمنياً "حكومة انتقالية" تمثّل جسراً لعبور هذه الأشهر حتى يتم تغيير النظام الداخلي وتستقر الكتل، أو أن يقبل النواب بفكرة "تسليف الثقة" لحكومة عبدالله النسور الحالية، لأنّها مضت في برنامج اقتصادي وسياسي وأقرت الموازنة على أساسه، إلى حين الدورة العادية مع إجراء تعديل عليها ضروري، لأنّه من الواضح بعد هذه المعمعة أنّ عدداً من الوزراء  لن يتمكنوا من البقاء مع النسور لأسباب باتت معروفة!

[email protected]