ماذا بعد قصة كاميرات "الأقصى"؟

ضاع خبر إلغاء الأردن مشروع الكاميرات التي كان ينوي تركيبها في ساحات المسجد الأقصى، في وسط زحمة الأخبار الأردنية الأسبوع الماضي؛ من التعديل الوزاري السريع، إلى خبر التعديلات الدستورية، وكذلك التصعيد مع جماعة الإخوان المسلمين، وسحب السفير الأردني في طهران، وصولا إلى ازدحام آخر من الأخبار المفبركة والإشاعات. إذ وسط هذه الأحداث المتلاحقة لم يلتفت الرأي العام إلى تفسير أردني مقنع حول هذا القرار، بعد حملة سياسية وإعلامية شهدتها الأسابيع الأخيرة لتسويق هذا المشروع فلسطينيا وأردنيا.اضافة اعلان
لا شك أن النوايا الأردنية لا تتفق أبدا مع الهواجس والمخاوف الفلسطينية التي ذهبت إلى أن خطة نشر الكاميرات سوف تخدم إسرائيل. لكن في المحصلة، غلبت المخاوف والهواجس. وهذا يعني، عمليا، أن الأردن خسر معركة بناء الثقة مع النخب الفلسطينية في الضفة الغربية والقدس في هذه المحطة التاريخية. وقبل ذلك، كشفت هذه التطورات عن أزمة ثقة من نوع آخر مع الجانب الفلسطيني الرسمي المتمثل في السلطة الوطنية التي عبرت مبكرا عن عدم رضاها عن المشروع الأردني.
وهذا يقودنا إلى عكس التوقعات التي كانت مؤسسات في الدولة وبعض النخب الأردنية تذهب نحوها، ومفادها أنه في آخر عقدين أصبح الرأي العام الفلسطيني أكثر قربا للمواقف الأردنية وتفهما لها حيال الملفات التاريخية الشائكة في الصراع، وحتى في العلاقات الثنائية؛ وأنه أصبح هناك إدراك متزايد للدور الأردني في حماية المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس، على اعتبار أن ذلك تطوّر طبيعي يُفهم في سياق تحولات القضية الفلسطينية وثبات المواقف الأردنية وحقيقة المصالح المشتركة بين الشعبين، بعد أن انتهت ملهاة الشعارات النضالية العربية التي لم تقدم  فعليا ما يذكر من أجل القضية، مقارنة بما سفك من دماء في شوارع المدن العربية في حروب مجانية خلال الأعوام الأخيرة.
بالنتيجة، من المفترض أن مراكز القرار الأردني تحتاج مراجعة عميقة وتقييما موضوعيا لأزمة الثقة مع الرأي العام الفلسطيني. والسؤال الكبير الذي يجب أن نطرحه بوضوح هو: هل ما حدث يعكس بالفعل اتجاهات الرأي العام الفلسطيني، أم نتيجة تأثير أذرع السلطة الوطنية الفلسطينية التي لم ترغب في إحداث أزمة علنية مع الأردن؟
تنبع ضرورة هذه المراجعة ليس فقط من الظروف الدقيقة التي تمر فيها القدس، بل أيضا من سرعة الأحداث التي نتفاجأ بها بين وقت وآخر. كما تنبع هذه الضرورة أيضا من أنه ليست الحكومة الإسرئيلية فحسب من أصبحت الفاعلة في ملف "الأقصى" تحديدا، بل تعددت الجهات الإسرائيلية وازدادت قوتها. فنحن أمام توقعات وسيناريوهات متعددة في الأيام المقبلة، من بينها عودة المطالبة بالتشريع الإسرائيلي بوقف الإدارة الأردنية للأماكن المقدسة، واستبدالها بإدارة إسرائيلية كاملة. وهو ما لوحت به إسرائيل العام الماضي، وتمت مناقشته من قبل الكنيست.
نحن نعلم، كما يعلم كل من الإسرائيليين والفلسطينيين، أن لا سيادة أردنية على "الأقصى"، وأن الدور الأردني لا يتعدى الإدارة التي نسميها الولاية الدينية. ولكنها بقيت على طول العقود الماضية موضع توافق أردني فلسطيني، وموضع التزام إسرائيلي. وما يحدث اليوم هو مدخل جديد يدفع نحو ما يسمى تعدد الوصايات الدينية والسياسية على الأماكن الدينية. ومن هنا تبدو أهمية الالتفات إلى حجم خطورة مسّ حصرية الولاية الدينية التي تُسبغ على الأردن، وهي عمليا إدارة المواقع الدينية تحت السيادة الإسرائيلية. إن المس بهذه الحصرية من الفاتيكان أو أي طرف آخر، سيفتح المجال لتعدد الوصاية، وسيشكل مدخلاً خطيراً لتهديد الأماكن المقدسة، ومدخلا لمساعي إسرائيل بتقاسم "الأقصى".
لا يمكن للأردن أن يستمر في مراقبة المشهد من دون أفعال مؤثرة. ولا يمكن أن يتقدم من دون ضمان ثقة فلسطينية. وهذا ما يتطلب مراجعة معمقة لملف الولاية الدينية على الأماكن المقدسة في القدس.