ماذا تريد أميركا من العراق؟

قد لا يبدو عنوان هذا المقال بحاجة إلى إجابة، لأننا نعلم جميعا أن العدوان والاحتلال له أهداف واضحة. لكن هذا السؤال جزء من منظومة تساؤلات يفترض أن نبحث عن إجابات لها، ليس وفق المنطق، وإنما وفق البنية العقائدية للإدارة الأميركية القائمة على عقائد صهيونية، ووفق مصالح تجار النفط والسلاح.

اضافة اعلان

وبشكل أكثر تحديدا؛ هل تريد أميركا دولة مستقرة في العراق، أم إن حالة الفوضى والقتل والاقتتال الطائفي أمر مطلوب في السياسة الأميركية؟ وهنا نبحث عن الإجابة في موقف، بل قناعة لدى أطراف عراقية وعربية تقول: إن الانسحاب الأميركي من العراق وهو في الحالة التي يعيشها من فوضى وغيرها أمر غير مرغوب، وإن على القوات الأميركية أن تبقى منعا لنشوب حرب أهلية واقتتال طائفي.

وهذه القناعة التي تحملها هذه الأطراف مفرحة للإدارة الأميركية، لأنها تجعل من وجود جيوش الاحتلال ضمانة لعدم تدهور الأمور الى ما هو أسوأ. كما أن بعض من يحمل هذه القناعة يتناسى أن أصل البلاء هو وجود الاحتلال، فأميركا الآن مستفيدة من حالة الفوضى والقتل والاقتتال.

وما سبق يضعنا أمام سؤال هام رافق بدء العدوان، وهو: ماذا تريد أميركا من العراق؟ والجواب: تريد هدم وتقويض الدولة العربية العراقية، وتسليم مفاتيح النفط للشركات الأميركية، وزيادة النفوذ العسكري الأميركي في المنطقة. وهذه الأهداف الكبيرة والهامة تحتاج إلى ثمن، ما يقودنا الى أمر آخر، وهو الخسائر الأميركية التي تدعي الإدارة الأميركية أنها لم تتجاوز كثيرا حتى الآن 3 آلاف قتيل من جيوشها، وهذا الرقم قليل قياسا إلى حجم الأهداف التي تحققت بالنسبة للمخطط الأميركي-الصهيوني.

ورغم الارتباك الذي رافق إدارة أميركا للملف العراقي، إلا أن ثمن هذا الفشل في الإدارة دفعه العراق وشعبه، أما ما دفعته أميركا فهي الحصة الأقل. فمن يموت هم العراقيون، والدولة المقطعة هي الدولة العراقية، والبترول الضائع هو مال العراقيين، والفساد المقدر بالبلايين تستفيد منه الشركات الأميركية ورجالات الاحتلال من العراقيين. ولهذا، فثلاثة آلاف جندي أميركي خلال 4 سنوات من الاحتلال ثمن يمكن تحمله أميركيا، لكن من ماتوا من العراقيين أكثر من 600 ألف عراقي، والمشرحة في بغداد استقبلت العام 2006 أكثر من 16 ألف قتيل عراقي!

لو كان فشل الإدارة الاميركية في إدارة الملف العراقي تدفعه الدولة الأميركية لكانت استراتيجية بوش مختلفة، لكن من يدفع ثمن هذا الفشل هو العراق وشعبه والمنطقة ومستقبلها لهذا فهم لا يشعرون بالقلق الحقيقي.

ولو أن أي دولة حصلت على كل ما حصلت عليه أميركا من عدوانها على العراق لكانت سعيدة، ولما توقفت عند خسائرها البشرية أو فشل في إدارة الملف. ولهذا، فأميركا، ومن خلفها الكيان الصهيوني، مستعدان لدفع ذات الثمن في عدوان آخر مقابل ذات الثمن في ساحة أخرى. وحتى ما يسمى الرأي العام الأميركي، أو الحزب الديمقراطي المنافس لحزب الرئيس، فإن موقفهما من العراق ناتج عن تنافس داخلي أو قلق نفسي إنساني، لكن أميركا كلها مقتنعة أن احتلال العراق مصلحة أميركية عليا، وأن أي احتلال له ثمن عسكري وخسائر بشرية. لذلك، فإدارة بوش لا تعاني بشكل حقيقي، وما يختلف الآخرون معها بشأنه هو آلية إدارة الملف أو التكتيك، وليس غير هذا.

لو كانت قوات الاحتلال الأميركي وجدت مقاومة من كل القوى السياسية العراقية لما كان الثمن الذي تدفعه سهلا أو ضمن ما هو متوقع. ولو قوات الاحتلال تقوم بكل المهمات وليس بالشراكة مع جهات عراقية، لكانت الخسائر أكبر بكثير. ولو واجه جيش الاحتلال مشكلة الشرعية وعدم الاعتراف به من كل الجهات، لكانت المعاناة أكبر وأكبر، لكنه احتلال وجد من يسميه جيش تحرير للعراق، أو قوات صديقة؛ ووجد من يصدر الفتاوى التي تحرم المقاومة، لهذا فأميركا لم تدفع الثمن الذي يجب أن تدفعه الجيوش المحتلة.

نعم، هنالك مأزق وفشل أميركي في العراق، لكنه أقل مما يجب مقابل ما فعلته من تدمير للعراق وما صنعته من قتل واقتتال. ولو كانت مواقف العراقيين متجانسة ضد الاحتلال، لكانت استراتيجية بوش لا تقوم على زيادة قواتها العسكرية، بل على الهروب مثلما هربت أميركا من لبنان والصومال وفيتنام، ومثلما هربت إسرائيل من لبنان والاتحاد السوفييتي من أفغانستان.

أميركا وإسرائيل حققتا الكثير من أهدافهما في العراق، أما فشل الإدارة الأميركية وارتباكها، فيدفع ثمنه الشعب العراقي وتلك الدولة العربية التي أصبحت مرتعا لكل أعدائها.

[email protected]