ماذا عساه يفعل؟

بالكاد يمر يوم من دون أن يحمل خبرا يتعلق بدين جديد للحكومة، في دلالة قوية على استسهال هذه الأخيرة فكرة مراكمة الدين على الخزينة العامة. وهو ما يمكّن بدوره من استقراء نتيجة محددة، تتعلق بزيادة المديونية خلال السنوات المقبلة.اضافة اعلان
إذ تبعا لحجم الميزانية العامة وقيمة العجز المالي لموازنة العام المقبل، كما الموازنات التقديرية للعامين 2017 و2018، فإنّ لنا تخيلا، أو للدقة توقعا أن الزيادة المطّردة هي المسار الطبيعي لقيمة الدين العام الأردني.
لا يبدو أن ثمة إصلاحات حقيقية اتخذتها الحكومة في موضوع الإنفاق العام، لتخفيض العجز وبالتالي خفض الدين، لاسيما أن معدلات النمو المتوقعة للناتج المحلي الإجمالي أيضاً، لا تسمح بتوقع تراجع المديونية بفضل هكذا نمو خلال السنوات المقبلة.
الأسباب والتبريرات الحكومية في هذا المجال متنوعة؛ تبدأ من ارتفاع قيمة الدعم المالي المقدم للمياه والكهرباء، ولا تنتهي بارتفاع كلف اللجوء السوري على الخزينة، نتيجة تزايد الإنفاق على التعليم والصحة والبنية التحتية والطاقة وغيرها.
بيد أن المسألة التي يلزم التوقف عندها تتمثل في سؤال: لماذا لم تحوّل الحكومة، وتحديدا وزارة التخطيط والتعاون الدولي، مباشرة جزءا من المبالغ التي تلقتها خلال العام الحالي، لدعم الخزينة والتخفيف من العجز؟ والسؤال أيضا: هل خصصت الحكومة والوزارة جزءا من المنح المتوقعة لدعم اللاجئين خلال السنوات المقبلة، لتُقدم للخزينة مباشرة، وبالتالي تقليل الحاجة للاقتراض؟
أمس، أعلنت الحكومة خطة الاستجابة الأردنية للأزمة السورية 2016-2018، وهي نداء للعمل الجماعي من أجل دعم أفضل للدول المستضيفة للاجئين السوريين، وقدرت كلفتها بحوالي 8.1 مليار دولار للسنوات الثلاث المقبلة. مع الإقرار أن الأردن لن يحصل، غالباً، على كامل قيمة الكلفة، قياسا إلى ما تحقق في السنوات الماضية؛ إذ لم تتجاوز المساعدات التي حصل عليها لتغطية كلفة اللجوء السوري نسبة الثلث في أفضل السنوات.
لكن رغم ذلك، وفي ظل اتساع مدى أزمة اللجوء السوري اليوم، بحيث طالت المجتمعات الأوروبية التي تسعى لوضع حلول لها، يبدو ممكناً توقع أن المجتمع الدولي سيكون أكثر سخاء مع الدول الجارة لسورية، ليقنعها باستقبال السوريين بدلا من وصولهم إلى شواطئ البلدان الغربية.
هنا يلزم التوقف والتأكد من التقييم الموضوعي للاحتياجات المستقبلية، بحيث يكون دقيقا، فلا نعيد أخطاء التخطيط خلال السنوات الماضية؛ حين بدت مؤسسات الدولة وكأنها متفاجئة بالعدد الضخم للسوريين في الأردن، والذي يقترب الآن من 1.4 مليون لاجئ ومقيم.
فالخشية هي من أن تكون الخطط سطحية، كما يصفها بعض موظفي الأمم المتحدة ومنظمات اللجوء، فيقع المحظور مجددا، ونغرق في بحر من التكاليف غير المحسوبة. والخوف أيضا أن يكون التخطيط قصير النظر، لم يقمْ على تحليل دقيق للموقف، حالياً ومستقبلا.
أزمة المديونية وعجز الموازنة لا تنفصل عن عبء اللجوء الذي بدوره ليس بعيدا عن تعاظم المشكلات الأخرى الاقتصادية-الاجتماعية، من فقر وبطالة وتدني مستوى خدمات، وانعكاس ذلك على مزاج الأردني الذي لم يستشعر بعد الإنجازات الرقمية التي تتحدث عنها الحكومة.
التخطيط في الحاضر، هو واقع الغد. وتكرار الأخطاء في احتساب تبعات اللجوء السوري، سيعني حتما واقعا اقتصاديا كارثيا في المستقبل. كما سيعني أن قدرة التعايش مع إخوتنا وضيوفنا ستتراجع، بما يهدد الأمن والسلم المجتمعيين.
دول أوروبية بكل إمكاناتها المالية، تخطط وتحسب بالشخص عدد اللاجئين الذين تقدر على استقبالهم، فما بالكم ببلد محدود الموارد مثل الأردن؛ ماذا عساه يفعل؟!