ماذا يعني اقتصاد السوق الاجتماعي؟

بات يجري تداول هذا المصطلح محليا مع قدوم حكومة معروف البخيت الثانية. وتجدد الحديث عنه مع إقالة محافظ البنك المركزي الشريف فارس شرف، ووصفه بأنه "ليبرالي". واجتهد كثيرون لتبيان أن "ليبرالي" لا تعني شيئا، وهي منهجية تفكير لا تعيب أصحابها. لكن ما المقصود باقتصاد السوق الاجتماعي، ومن هم أنصاره، وما هي الأسس التي قام عليها هذا المبدأ؟اضافة اعلان
بقليل من البحث يمكن القول إن المبدأ متبع في ألمانيا، وتم إرساء دعائمه من قبل عدد من الباحثين الاجتماعيين والاقتصاديين في مطلع الستينيات من القرن الماضي. ومقاربة هذا النموذج ليست صعبة، فهو يقوم على مبدأ الملكية الخاصة، وحرية التجارة الخارجية، وتحديد الأسعار. والخلاف ما بين الصيغة الألمانية والصيغ الأخرى من الرأسمالية يتعلق بما يمكن للدولة أن تلعبه فيما يخص النفقات الاجتماعية المتعلقة بالصحة، والتعليم، ونفقات التقاعد، وتأمينات البطالة.
إن اقتصاد السوق الاجتماعي خليط دقيق من الاشتراكية وحرية الأفراد، لكن لم يرغب الألمان في استخدام كلمة "اشتراكية" نظرا لأن المبدأ أقر إبان الحرب الباردة والمعسكرين الشرقي والغربي، لذلك تم اختيار مصطلح "اجتماعي" من قبل الأحزاب السياسية التي كانت تتنافس على الحكم. والتوازن المطلوب يقوم على تضخم محدود (مهمة البنك المركزي)، والحد من البطالة وتوفير ظروف العمل اللائق، وتحقيق مستوى مقبول من الرفاه. كما يتيح هذا النظام إمكانات كبيرة فيما يخص المفاوضات الجماعية والعمالية والتي تحقق التوازن المطلوب.
كذلك، يقوم المبدأ على أساس ممارسة الدولة لدورها في ضمان تكافؤ الفرص، ليس فقط في الحصول على الوظائف، بل في التأهل لتلك الوظائف من ناحية الحصول على التعليم والتدريب اللازمين. أما القطاع الخاص، فتقع على عاتقه مسؤولية مجتمعية وبيئية.
فأين نحن من ذلك في الأردن؟ ما تزال فجوة الدخل بين فئات المجتمع عميقة، والسياسات المتبعة، لاسيما الضريبية منها، لا تذهب باتجاه المبدأ الذي ننادي به؛ فضريبة الدخل على الشرائح العليا من الدخل في دول تتبع المبدأ تصل إلى أكثر من 60 في المائة في بعض الحالات، ومقابل ضرائب الدخل المرتفعة هناك خدمات لا تضاهى في مجال التعليم والصحة، وبنية تحتية وفوقية لا مثيل لها. كذلك، هناك أنظمة سياسية ديمقراطية تقوم على مبدأ المساءلة والشفافية شبه المطلقة فيما يتعلق بالإنفاق العام.
وإذا انتقلنا إلى الجوانب الإنتاجية في الاقتصادات التي تتبع هذا المبدأ، سنجدها عريضة ومتنوعة، ولن نجد مفهوم دعم السلع المشوه، أو طلبات الحماية التي لا تنتهي، أو التشوهات السعرية والتركز في الأسواق وتحديد هوامش ربح مرتفعة، كما هو حاصل في سوقنا المحلي. كذلك، لا توجد عجوزات في الموازنة بعد وقبل المساعدات، وخلل مزمن في الميزان التجاري.
هل يمكن الحديث عن توازن معقول بين الفئات المختلفة محليا؟ وكيف نبدأ الطريق لاتباع مبدأ تطور على مدى سنين، وأفرز أحد أمتن الاقتصادات العالمية وأكثرها توازنا، نقصد الاقتصاد الألماني؟
نتمنى لو تحقق جزء من مبادئ اقتصاد السوق الاجتماعي كما أرساه أصحابه، ولكن يبدو أن لنا نسختنا الخاصة؛ وهذا ليس معيبا، ولكن ما هي الأسس التي على أساسها نعمل على ترجمة تلك المبادئ، ومن هم الفاعلون الاقتصاديون والاجتماعيون في تحقيق ذلك؟ الأكيد أن البنك المركزي ليس هو المؤسسة المعنية بهذا!