ماهر أبو طير يكتب: الأردن أمام أزمات الإقليم مجددا

انشغل الأردن خلال الشهرين الفائتين، بقضاياه الداخلية، لكن الذي يقرأ التغيرات في المنطقة، يدرك أن دوامة الأزمات العربية ستعود من جديد.اضافة اعلان
يوما بعد يوم، تتراجع أخبار وباء كورونا، أمام المستجدات حولنا وحوالينا، من نيران الفوضى المستجدة في لبنان، وصولا إلى القرار الإسرائيلي بضم مناطق في الضفة الغربية، والواضح أن الأزمات المعتادة في طريقها إلينا مجددا، بعد أن خفت حدتها بسبب الانشغال بوباء كورونا، لكنه انشغال مؤقت في كل الأحوال.
لبنان الذي هدأت أوضاعه نسبيا بعد تكليف حسان دياب بتشكيل الحكومة، عاد وانفجر تحت وطأة تأثيرات وباء كورونا، وحالة الحظر التي لا يحتملها اللبنانيون أساسا مع تردي أوضاعهم الاقتصادية، حين يتم استبدال الدولار بأربعة آلاف ليرة لبنانية، بدلا من ألف وخمسمائة ليرة، وفقا للسعر الرسمي، وما يعنيه ذلك من غلاء فاحش جدا، فوق تعطل الناس عن أعمالهم، ودخول أطراف كثيرة على خط الصراع السياسي لتأجيج الأوضاع، وصولا إلى الاعتداء على الجنود اللبنانيين، والمصارف، واستعمال الأسلحة الرشاشة، والقنابل، بما يؤشر على تصعيد قد يأخذنا إلى وضع دموي في لبنان، خلال فترة قصيرة، دون حلول من بيروت الرسمية.
الحكومة الإسرائيلية الموحدة بدورها، تستعد لتنفيذ السيناريو الأسوأ، أي إكمال ضم القدس، وضم مناطق من الضفة الغربية، وغور الأردن، بما يعنيه ذلك من نهاية كاملة لمشروع الدولة الفلسطينية، وتهديد الفلسطينيين، وتهديد الأردن أيضا لاعتبارات كثيرة تتعلق بسيناريوهات التهجير السكاني، أو حتى التخطيط الإسرائيلي الأميركي لتوريط الأردن بتصفية القضية الفلسطينية وهو ما يرفضه الأردن، والمشكلة الأكبر تكمن هنا، في أن الجانب الرسمي الفلسطيني لا يمتلك أي أوراق لوقف الإسرائيليين، مثلما أن العالم مشغول بقضايا أخرى، أقلها تدبر الحلول أمام الانهيارات الاقتصادية، والوضع الجديد، فوق أن واشنطن تعلن جهارا دعمها للإسرائيليين في مخطط ضم مناطق من الضفة الغربية.
هذا يعني أن الأردن على مستوى سياسته الخارجية، سيجد نفسه أمام الملفات الأبرز قريبا، والتي تراجعت قليلا إلى الوراء بسبب تأثيرات وباء كورونا، وشلل العالم، سياسيا وعسكريا، والواضح أن انحسار الوباء من جهة، واعتياد العالم على التعامل مع تداعياته، أعاد الأزمات إلى المربع الأول، بل وضاعف من كلفتها، ما بين الأطراف التي تريد استثمار تشاغل الدول بقضايا أخرى، والأطراف التي ستدفع الثمن بسبب كلفة الوباء، فوق ما فيها من هشاشة اقتصادية، ومشاكل مزمنة، زاد الوباء من حدتها، والمشاكل التي ستنجم عن الجوع والفقر وخسارة الوظائف.
يقودنا هذا إلى الاستنتاج الأهم، والذي يقول إن كل دول الأزمات في العالم العربي، أمام مرحلة أصعب، لأن الأزمات بعد كورونا باتت مركبة، وأكثر تعقيدا، إما بسبب التغيرات السياسية، أو التأثيرات الاقتصادية، وهذا يؤشر أيضا على أن ملفات كثيرة تتعلق بسورية، والعراق، واليمن، ودول أخرى، ستخرج إلى السطح بشكل مختلف خلال الفترة المقبلة، خصوصا، حين تكون هذه الأزمات قائمة أساسا، لكن الظروف الأخيرة وتداعياتها السياسية زادت من حدتها، والأمر ينطبق على إيران وتركيا، وكل دول المنطقة، التي ستتم هندستها بشكل جديد، خلال الفترة المقبلة.
التحدي الأكبر أمام الأردن، يرتبط بأمرين، أولهما تعزيز الاستقرار الداخلي بكل الوسائل السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وثانيهما قراءة التغيرات على دول الإقليم، والأزمات المحتملة، وتأثير ذلك على الأردن لتخفيف وطأة هذه الأزمات وحدتها، في ظل عالم مترابط ويتأثر ببعضه البعض، لكننا في زمن كورونا، ولا أحد يستطيع على وجه الحصر والتحديد أن يقرأ نهايات هذا العام، بكل ما يعنيه على صعيد الإقليم، وعلى صعيد الصراعات الدولية التي تجر المنطقة خلفها، نحو مصير لا يعرفه أحد.