ما الذي جرى في الشهر الذي قضاه عبدالكريم قاسم في المفرق عام 1956؟

ما الذي جرى في الشهر الذي قضاه عبدالكريم قاسم في المفرق عام 1956؟
ما الذي جرى في الشهر الذي قضاه عبدالكريم قاسم في المفرق عام 1956؟

 

د. سعد أبو دية

تعرفت في بغداد إلى العميد المتقاعد خليل إبراهيم حسين معاون مدير الاستخبارات العراقية بعد14 تموز 1958م في العراق، والذي أصبح وزيراً للصناعة، ثم تفرغ لكتابة موسوعة 14 تموز. وأهداني جميع ما كتب حتى عام1995م، ولم أكتف بالكتب التي يزيد عددها عن ستة، ولكنني تحدثت معه وذهبنا إلى المكتبات العراقية ومراكز الوثائق سوياً.

اضافة اعلان

وفي هذه المرة سأتحدث عن الوثائق العراقية، وما جاء فيها عن أمور تتعلق بالأردن مثل موقف الضباط العراقيين في اللواء(19) في الأردن، واتصالاتهم مع سورية ومع الضباط الأردنيين، وهي أمور تستحق الاطلاع.

عبدالكريم قاسم في الأردن:

جاء عبدالكريم قاسم للأردن في شهر تشرين الأول1956 بعد أن ودع رئيس الوزراء العراقي نوري السعيد، وفي ذهنه، أي عبدالكريم قاسم، الاتصال مع الضباط السوريين والأردنيين.ولا توجد أدلة من اتصل مع الآخر، هل اتصل مدير المكتب الثاني الاستخبارات العسكرية السورية عبدالحميد السراج مع عبدالكريم قاسم؟ أم أن عبدالكريم هو الذي اتصل؟.

أهداف الاتصال:

لكن المهم هدف الاتصال ولماذا؟ والجواب دوّنه خليل إبراهيم عام1971م عندما قابل عبدالحميد السراج وعفيف البزري في القاهرة، أن هدف السوريين هو الضباط العراقيون فقط، وأنهم يريدون نقل المعركة لأرض العراق لمواجهة نوري السعيد الذي يخطط ضدهم.

كان هدف السوريين واضحاً كل الوضوح، وهو الضباط العراقيون. لكن هدف الضباط العراقيين غير واضح، لدرجة أن عبدالكريم قاسم اتصل مع ضباط أردنيين وحاول القيام بمغامرة في الأردن(لا مجال لذكر تفاصيلها الآن) ولكن تم تحذيره.

رواية السراج عن الاتصالات:

ذكر السراج أن هناك بعض ضباط المخابرات السوريين النشطين اتصلوا مع عبدالكريم قاسم آمر اللواء(19) في الأردن، وتحديدا في المفرق التي كان فيها مجموعة لواء من الجيش السوري. وفي هذه الاتصالات طلب عبدالكريم قاسم وعبدالسلام عارف الاتصال مع رئيس الأركان العامة للجيش السوري، وكان واسطة الاتصال مع العراقيين المقدم مفلح علي الناصرة، وهو فلسطيني الأصل أسقط عنه العراقيون الجنسية العراقية وذهب إلى سورية واستقر هناك وأصبح مدرساً لمادة التاريخ في الكلية الحربية(بعد1961 عينه عبدالكريم قاسم مديراً للخطوط الجوية العراقية في سورية).

اجتمع السراج بهما في مكان معزول وهاجم عبدالسلام عارف النظام العراقي، واتهمه بالاستسلام للغرب وأنه غير مهتم بالخطر الصهيوني. والشيء الغريب أن عبدالسلام وعبدالكريم طلبا أن يلتحق اللواء بالجيش السوري، وأعطياه منشوراً من مناشيرهم.

اعتبر السراج أن الفكرة(أي أن يلتحق العراقيون ضباط اللواء19 بالجيش السوري) غير سليمة. وتم اللقاء بين الضباط العراقيين ورئيس أركان الجيش السوري توفيق نظام الدين وعفيف البزري قائد القوات السورية في الأردن، وتم اجتماع آخر في خيمة في الصحراء، وهنا سألهم رئيس الأركان إنْ كانوا واثقين من قوتهم، وقدرتهم البقاء في العراق والقيام بالتغيير، وإذا كنتم يائسين "أهلاً وسهلاً في سورية".

الاجتماع بين السراج وعبدالسلام فقط:

جاءت أخبار للسوريين من العراق أن عبدالسلام ضابط وحدوي يمكن الاعتماد عليه، فطلب منه السراج أن يجتمع به منفرداً، وقال له إن فكرة الالتحاق بالجيش السوري يجب أن تستبعدوها، وإن بقاءكم لتغيير الأوضاع هو الأصوب. وانتهى الأمر عند هذا الحد.

واستمر الاتصال بعد عودة العراقيين للعراق، وظل الاتصال مع

عبدالسلام ومع رفعت الحاج سري، وليس مع عبدالكريم.

وعرف السراج من عبدالسلام موعد الثورة يوم 9 أو 10 تموز، وطلب عبدالسلام مدافع (25) رطل وطيارات وأجهزة رادار ومدافع ضد الطيارات إذا نجحت الثورة، وفعلاً تم تجهيزها وشحنها من الاسكندرية إلى اللاذقية، ثم إلى العراق.

شبكة السراج:

اتضح من حديث السراج أنه تعرف إلى رفعت الحاج سعيد عام 1954م عن طريق باسل الكبيسي(دبلوماسي) وقد قدما الكثير للسراج، وفتح الباب لكل شخص غير مشبوه وجند شيوخ وتجار، واستفاد منهم كثيراً، وكشفوا له ما وصفه بالمؤامرات على سورية، ومنها وقع عام1956م أثناء العدوان الثلاثي على مصر. ويضيق المجال هنا عن سرد التفاصيل.

الاتصالات في الأردن بحضور ضابط ركن حركات الاستخبارات العراقية:

وفي رواية ضابط ركن حركات واستخبارات اللواء(19) العراقي المقدم الركن عبدالرزاق محمد سعيد، أن اللقاءات كانت تتم مع قائد اللواء السوري عفيف البزري في الغور، وكانت تتم بحضور المقدم

عبدالرزاق، وظاهرها تعاون عسكري، وباطنها تخطيط يرمي إلى نقل المعركة إلى الدول التي وصفها السراج بأنها تتآمر عليه.

عبدالكريم قاسم راقص على الحبال:

كتب عبدالكريم قاسم برقية في19/11/1956م هذا نصها:

الجيش السوري في الأردن مرابط في أريحا مقر قيادته في الرمثا قوته لواء مشاه آمره برتبة عقيد. بعض المشاة مرسلين إلى منطقة الغور شمالي أريحا. التجهيزات جيدة معظم الأسلحة تشيكيه الضباط أحداث وبحاجة إلى التدريب قيادتهم ضعيفة لديهم رغبة بالتعاون بالقتال مع قطعاتنا تحت إمرتي شخصياً. سأخبركم قريباً بمعلومات وتفاصيل أخرى.

برقية القيادة العراقية للواء العراقي في الأردن:

لم يهتم معاون رئيس أركان الجيش اللواء الركن غازي محمد فاضل الداغستاني بمسألة تقييم الضباط السوريين ومعرفة نواياهم،ولم يتعاون مع مديرية الاستخبارات في غرس الثقة في نفوس الضباط السوريين الذين كانوا يكرهون نوري السعيد. بدلاً من ذلك أرسلت برقية في2/11/ إلى اللواء التاسع عشر:

"أن معالجة قضايا التعاون العسكري بين الأردن والعراق وبين سورية والعراق متروكة للجهات العليا عن طريق هيئة الأركان المشتركة والزعيم الركن محسن محمد علي أن بحث التعاون من قبل جهتين مختلفتين قد يسبب المشاكل لذا نرجو عدم التطرق لهذا الموضوع مع الجهة السورية وحصر مقابلاتكم للضابط السوريين في المجاملة فقط".

وعلق العميد إبراهيم على ذلك أن النظام العراقي اعتقد أن جميع الضباط الأردنيين"مضمونين"

رواية عفيف البزري:

روى الفريق عفيف البزري أنه أثناء أزمة السويس1956 تلقى تعليمات للاتصال بالضباط العراقيين في اللواء العراقي المرابط إلى جانبهم في الأردن لمعرفة ما يخططه نوري السعيد ضد سورية!

وذكر أن اللقاء مع العراقيين تم قرب مطار المفرق وحضره من السوريين رئيس الأركان توفيق نظام، وهو وأمين نفوري وعبدالحميد السراج، وفي هذا اللقاء أفشى عبدالكريم قاسم سراً إذ قال إنهم يخططون لتغيير الأوضاع في العراق ولن يعيدوا تجربة عام1941م، وأن الثورة إذا اندلعت ستنال من الجميع ولن تترك أحداً يفلت.

 "هذا يدحض ما قاله عبدالكريم قاسم بعد الثورة أنه لم يكن يرد قتل العائلة المالكة".

وظلت الاتصالات إلى آخر لحظة قبل مغادرة عبدالكريم قاسم إلى العراق بناء على طلب الأردن في مذكرة رقم 5516/36/56، تاريخ 6/12/1956 وفيها: ترجو الحكومة الأردنية سحب اللواء العراقي والسبب هو نشاط الضباط العراقيين على الأرض الأردنية حتماً، علماً أنهم لم يمكثوا على أرض الأردن إلا شهرا واحدا!

على العموم طلب قاسم من السوريين أن لا يتصلوا به في العراق، لأنه سوف يرسل شخصاً ثقة لهم ولم يسمع عفيف منه شيئاً حتى قامت الثورة!

ويقول خليل إن السراج أخفى المعلومات عن قيادته وأرسلها إلى

عبدالناصر مباشرة وتلاحظ أن أهداف الاتصالات ارتبطت بالعراق وليس الأردن وأن السوريين كان هدفهم العراقيين فقط.

[email protected]