ما الذي حدث في دافوس؟

إبراهيم شكري دبدوب*

الكويت - قد يتفق جميع الذين اجتمعوا في دافوس أن منتدى هذا العام كان الأكثر سخونة رغم أن الأزمة العالمية قد دخلت عامها الرابع. باختصار، صورة الاقتصاد العالمي ما تزال قاتمة. فالقلق المتزايد في الأسواق المالية، والشلل السياسي الذي يصيب قادة أوروبا والولايات المتحدة الأميركية، والسياسات المالية والاقتصادية الخاطئة، كلها عوامل كفيلة بطرح علامات استفهام كبيرة حول آفاق الاقتصاد العالمي.اضافة اعلان
في العام الحالي، تشير التوقعات إلى أن الاقتصاد العالمي سيسجل نموا معتدلا بحدود 2.7 %. لكن هذا التوقع لا يلغي إطلاقا احتمال الركود نظرا إلى المخاطر التي تثقل الآفاق الاقتصادية في الأجل القصير، والنابعة من ثلاثة محاذير رئيسية: أزمة الديون السيادية في أوروبا، وتباطؤ نمو الاقتصاد الصيني، وأخيرا توجهات الأسواق النفطية.
في أوروبا، لن يكون بمقدور أي دولة تجنب الألم. فركود اقتصاد منطقة اليورو بات واقعا لا مفر منه ويتوقع أن يأتي بحدود 0.7 % هذا العام، ولن تزيده برامج التقشف والتشدد الائتماني والثقة المهتزة إلا سوءا. وفي ظل هكذا واقع، تتسلط الأنظار على البنك المركزي الأوروبي الذي يركز على دعم مستويات السيولة لدى المصارف الأوروبية بهدف حثها على الإقراض من جهة وشراء السندات الأوروبية من جهة ثانية. لكن محاولات المركزي الأوروبي هذه تبوء بالفشل، ما قد يفرض عليه إجراءات جديدة خلال الفترة المقبلة، قد تكون إحداها أن يقوم بنفسه بشراء السندات الأوروبية مباشرة، رغم المعارضة الألمانية لهذا التوجه.
وفي الصين، يزداد الخوف من اتساع رقعة الأزمة التي تصيب السوق العقاري إلى القطاعات الأخرى. فالاقتصاد الصيني يعاني بالفعل من تراجع في الطلب المحلي والخارجي في الوقت نفسه. والخوف الأكبر هو أن تلجأ الصين إلى خفض قيمة عملتها لمواجهة ذلك، وهو ما من شأنه أن يعيد التوتر بينها وبين الولايات المتحدة الأميركية. حتى اليوم، لم تتخذ السلطات الصينية إجراءات حاسمة لدرء هذا التباطؤ، لكنها قد تضطر إلى ذلك متى تفاقمت مشاكل السوق العقاري وازدادت القروض المتعثرة.
الحديث عن التحديات التي تواجه الصين، وانعكاسها على آفاق الاقتصاد العالمي، لا يشمل بالضرورة الأسواق الناشئة الكبيرة الأخرى. فهذه الاقتصادات تأثرت دون شك بضعف الاقتصاد العالمي والسياسات النقدية المتشددة التي سادت خلال العام الماضي، لكنها يتوقع أن تحافظ على نموها القوي خلال العام الحالي ولو أن الزخم سيتباطأ قليلا. وبشكل عام، ستبقى الأسواق الناشئة محصنة إلى حد ما مما يصيب الاقتصادات المتقدمة بفضل استقرار وضعها المالي وقوة ميزانها الخارجي والاحتياطات الضخمة التي تتمتع بها.
أما بالنسبة لأسواق النفط، فستظل محط ترقب ومتابعة. وفيما تواجه أسواق السلع الأخرى احتمالا بالتراجع على خلفية الأزمة الأوروبية وتباطؤ الاقتصاد الصيني، يبقى النفط مدعوما من التطورات الجيوسياسية، لاسيما في منطقة الشرق الأوسط. وبالتالي، لا يكفي قراءة توجهات السوق من منظور العرض والطلب فقط، بل أيضا من منظور التطورات والتوترات المحيطة بنا.
أين الولايات المتحدة الأميركية- مصدر الأزمة ومصدّرها- وسط هذه الضبابية؟ في الواقع، تشير المؤشرات الاقتصادية في الولايات المتحدة إلى تحسن في العام 2012، وقد يأتي النمو بحدود 2 % على الأقل. لكن هذا التحسن لا يدعو كثيرا إلى التفاؤل، لأن أزمة مديونية الولايات المتحدة ستطفو إلى الواجهة مجددا بعد الانتخابات الرئاسية المقبلة. ما يطرح شكوكا حول صحة الاقتصاد الأميركي في العام 2013 والأعوام اللاحقة.
لكن في الوقت الراهن، تبقى الأمور في الولايات المتحدة أفضل بكثير مما هي عليه في أوروبا، إن من حيث النمو أو ثقة المستهلكين وقطاعات الأعمال أو حتى بالنظر إلى أزمة المديونية التي تغرق أوروبا بينما يمكن إدارتها في الولايات المتحدة إذا ما تعقل السياسيون الأميركيون. أي باختصار، لا تعاني الولايات المتحدة من المشاكل الهيكلية التي تصيب الصميم الأوروبي، لكنها تعاني من أزمة سياسية قد تفوقها تعقيدا.
الانتخابات الأميركية لن تكون الوحيدة التي قد تغير المعادلات في الفترة المقبلة، بل إن العديد من الدول المؤثرة تشهد في الوقت الحالي تحولات سياسية من شأنها أن تحدد المسار في المستقبل، من مصر إلى فرنسا. لكن رغم هذه المتغيرات، يبقى الثابت واحدا، وهو أن السياسة- بشكلها الحالي الذي أفرزته الأزمة العالمية- ستبقى جزءا من المشكلة، بدلا من أن تكون جزءا من الحل.
في النتيجة، فإن صورة الاقتصاد العالمي لا تعتبر مشجعة. ومن شارك في دافوس شعر بثقل الأزمة من جهة وثقل قلة الحلول من جهة ثانية. صحيح أن الاقتصاد العالمي سيتباطأ هذا العام، لكن الأعوام اللاحقة قد تكون أصعب. 

* الرئيس التنفيذي لمجموعة بنك الكويت الوطني