ما الذي "سيؤلم" إسرائيل؟

يبدو أن إدارة دونالد ترامب عازمة على الإعلان عما تسمى "صفقة القرن"، بشأن مستقبل القضية الفلسطينية. ولا يحتاج الأمر كثيرا من الجهد، أو التخمينات، لنتأكد من أن كل مضمون لهذه "الصفقة"، سيكون مرفوضا فلسطينيا على المستويات كافة، فيكفي أن نعرف هوية "طبّاخي الصفقة"، حتى نتأكد من طبيعة "المنتوج" سيتم عرضه. ولكن في إسرائيل يُكثرون الأحاديث عن "طلبات أميركية مؤلمة لإسرائيل"، فهل حقا؟ وما هو "المؤلم" لإسرائيل؟اضافة اعلان
ذات يوم، قبل سنوات، قال بنيامين نتنياهو "إن كل تنازل عن شبر من أرض إسرائيل، هو مؤلم لنا". وهذه مقولة تتضمن أسس الموقف، وأولها أن نتنياهو يتمسك بما يسمى "أرض إسرائيل الكاملة"، ولا يعترف بحق الشعب الفلسطيني بوطنه. وهذا هو جوهر مشروع قانون المسمى "إسرائيل الدولة القومية للشعب اليهودي" في العالم، الذي دخل إلى مرحلة الإعداد للقراءة النهائية في الكنيست. ولكن التصويت عليه قد لا يتم، بسبب خلافات عقائدية جوهرية بين تيارات الصهاينة، وبين الصهيونية ككل وبين التيار الديني المتزمت، ولكن هناك شبه إجماع صهيوني، على المقولات الأساس التي وردت على لسان نتنياهو.
ما يعني أنه إذا ما عرضت الصفقة الترامبية، "تسليم مناطق أخرى للسلطة الفلسطينية"، ولو كان الحديث عما تسمى "مناطق ب" المأهولة بالفلسطينيين في الضفة، فإن هذا يُعد "ألما شديدا" عند الصهاينة، وقد يتلوى نتنياهو بضيق شديد، ويطلب "التخفيف" كي لا تسقط حكومته. ومما لا شك فيه، أنه في يوم الإعلان عن تلك "الصفقة"، سنسمع صراخا وعويلا، ونحيبا كثيرا. فكيف يجوز الانسحاب من شبر من "أرض صهيون".
ولكن الخطورة لا تكمن في طرح هذه الورقة، في ذات يوم أميركي، لأنها في نهاية المطاف ستكون مجرد ورقة عابرة، سبقتها أوراق وأوراق. فالخطورة تكمن في اليوم التالي لذلك الإعلان، لأنه كما اعتدنا أن نرى، فإن الصهاينة سيشرعون فورا في تطبيق البنود التي يسعون لها وتخدم أجندتهم، وأولها فرض ما يسمى "السيادة الإسرائيلية" على المستوطنات في الضفة، وإجراءات أخرى من شأنها أن تمنع مستقبلا إقامة دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة، على خطوط حزيران 1967.
على أرض الواقع، فإن المستوطنات، من أصغر بؤرة حتى أضخم مستوطنة، تسري فيها جميع القوانين الإسرائيلية، وكل قول غير ذلك، تافه بالتأكيد. وحينما تظهر مبادرات قوانين في الكنيست لفرض "السيادة" على المستوطنات، فهي من أجل التسجيل البروتوكولي. ورغم ذلك فإن الخطورة من قرار سياسي كهذا قائمة بالتأكيد.
وتكمن خطورة "فرض السيادة" رسميا، بالأساس في شكل تحديد مناطق المستوطنات، بمعنى هل هي خطوط البناء القائمة اليوم، أم حسب ما أقرته سلطات الاحتلال من مناطق نفوذ لكل واحدة من تلك المستوطنات. وبطبيعة الحال فإن كلا الخيارين مرفوض، ولكن أعرض الأمر من باب التفكير الإسرائيلي لهذه القضية.
وفي حكومة بنيامين نتنياهو الحالية، سيكون شبه إجماع على ضم المستوطنات مع كامل مناطق نفوذها، وهذا يعني ما لا يقل عن 60 % من مساحة الضفة، وبعد ضم القدس فإن الحديث سيجري عن قرابة 70 % من مساحة الضفة المحتلة منذ العام 1967.
بعد الرفض الفلسطيني الطبيعي لمخطط ترامب، ستتجه الأنظار نحو مواقف الدول الكبرى. وعلى الأغلب سنجد ما بين الاعتراض وحتى التحفظات الواسعة من هذه "الصفقة"، إلا أنه في المقابل، فإن أيا من الدول الكبرى، إن كان الاتحاد الأوروبي وخاصة الدول الكبرى فيه، أو روسيا، لا نجدها تبادر إلى أي مبادرة نديّة، ما يشجع الاحتلال على التوغل أكثر في ممارساته، والتشدد في مواقفه.
قد يكون إسراع ترامب لعرض مخططه، مناورة أخرى تجاه الرأي العام الأميركي قبل انتخابات النصف الأميركية في الخريف المقبل، بعد أن التقط "الصور التذكارية" مع زعيم كوريا الشمالية، ليدعي أنه قادر على تغيير معادلات دولية، في الوقت الذي يحرق فيه أوراقا مع الحلفاء التاريخيين في أوروبا. كما أن نتنياهو قد يقرر التوجه إلى انتخابات مبكرة في الأشهر المقبلة، في محاولة لتعزيز قوة اليمين الاستيطاني أكثر. وفي كل الأحوال، فإن استئناف المقاومة الشعبية الجماهيرية الواسعة، في قطاع غزة والضفة، من شأنه أن يعيد حسابات كثيرة لدى الاحتلال وداعميه في العالم.