ما الذي يجري مع أساتذة الجامعات؟

أشارت إحصاءات وتصريحات رسمية سابقة بأن جامعاتنا الحكومية قد خسرت ما يزيد على 20 % من أساتذتها الأكفاء خلال الأعوام القليلة الماضية، بسبب الظروف الاقتصادية السيئة التي يعاني منها العاملون في جامعاتنا الحكومية.

اضافة اعلان

حتى تعديل التعليمات المالية في قانون بعض جامعاتنا والقاضي باستفادة الاكاديميين من المداخيل المتأتية للجامعات من التدريس الموازي، فإن الجامعات الفقيرة لاسيما في جنوب الوطن لم تُعدل أنظمتها المالية لعدم أو ندرة وجود طلبة في الموازي. بالتالي تُستثمر تلك العائدات القليلة أصلا في الإنفاق التشغيلي ليوميات الجامعة والتخفيف من فوائد مديونيتها وسط صمت حكومي مقلق للآن؛ رغم التوجيهات الملكية للحكومات بتحسين الأوضاع المالية للأساتذة وأوضاع الجامعات منذ رمضان 2007 تقريبا واستمرار اقتطاع دينار للجامعات على كل المعاملات الرسمية أيضا.

أما في أغلب الجامعات الخاصة عموما، فجُل التدريس فيها يقع تحت رحمة رأسمال المؤسسين بإدارتهم الربحية من جهة، وضغوط الطلبة دافعي الرسوم وممولي الجامعة وأغلبهم من الضِعاف أكاديميا.

خلال الشهر الحالي لاحظ المهتمون في شؤون التعليم والقراء ظهور نبرة احتجاجية جديدة وواخزة من قبل أساتذة بعض الجامعات ضد بعض قرارات مجلس التعليم العالي، كإلغاء المجلس لعدد من المجلات الأكاديمية في العلوم الإنسانية التي كانت تصدر طوال عقود، لصالح مجلات أساسية وموحدة تُقبل أبحاثها فقط لغايات النشر، وبالتالي الترفيع الأكاديمي عبرها لاحقا.

رغم أن المشكلة المزمنة للنشر في تلك المجلات تكمن في طول مدة انتظار الباحثين قبل تلقيهم الردود على نتائج أبحاثهم، نتيجة لافتقاد عنصر المتابعة الحثيثة، إذ يستغرق إعلام الباحث أحيانا عن قبول بحثه في العلوم الإنسانية "30 صفحة غالبا" ما يقارب السنة، ما يشير أيضا بوجود مزاجية في عمليتي التقييم والمتابعة من قبل الأساتذة أنفسهم باحثين وعمادات بحث علمي، خصوصا وأن مكافآت التقييم العلمي للأبحاث في جامعاتنا لا تتجاوز الأربعين دينارا بعد خصم الضريبة، لذا يفضل المحكّمون التعامل مع الجامعات العربية الغنية جراء ارتفاع قيم مكافآتها وسرعة صرفها لهم.

يستخدم الكتاب الإعلاميون اليوم مفاهيم مثل "القوة الناعمة، أو الخشنة" عند تحليلهم لمستجدات حراك أساتذة جامعاتنا، الذي بدأ إعلاميا ومغلفا بطلب الاستماع لأنينهم وبداية تململهم كأعضاء في الشريحة الطليعية القادرة على إعادة توجيه بوصلة المجتمع عبر أجياله المتواترة.

ذلك يدفع بأصحاب القرار من السياسيين والمخططين الانتباه والتعامل الحضاري مع مطالب أساتذتهم؛ وضرورة الحفاظ على مكانتهم الوظيفية والرسالية العليا والجليلة.

لقد حمل أساتذة جامعاتنا بتحركاتهم الأخيرة ضمنا معنى التذمر والتحاور الهادئ بالتأكيد، ولكن من المؤكد أيضا أن هناك إيحاء آخر مصاحبا لذلك الحراك يوحي باحتمالية أن تتحول هذه القوى الناعمة للتخوشن السياسي الضاغط على القرارات الحكومية، ربما تماهيا وجدانيا ومنفعيا مع ما حققه زملاؤهم المعلمون من نتائج واضحة على طريق إنصاف مهنة التدريس السامية نظريا ومطلبيا في كل مراحلها.

وأخيرا؛ تقدم عدد من أساتذة جامعاتنا الباحثين عن عقود عمل لهم في الدول الخليجية الشقيقة من خلال مكاتب التوظيف المنتشرة في الأردن، بشكوى خطية لوزير العمل يشيرون فيها إلى أن هذه المكاتب تستغلهم بصورة مخالفة للقانون الذي رخصت بموجه كمكاتب وسيطة. إذ يُجبر هؤلاء الأكاديميون على التوقيع على عقود مخالفة للقانون وهي اشتراط المكاتب عليهم بدفع راتب شهر لها مقابل خدمتهم للحصول على وظائف، بينما ينص القانون على تقاضي المكتب ما نسبته 5 % من مجموع الراتب الأساسي السنوي للحاصل على وظيفة عبر هذه المكاتب؛ ومع هذا ما يزال الأكاديميون الإجلاء ينتظرون رد وزارة العمل على تظلمهم الذي نتمنى ألا يطول أكثر.

هل بوسع الباحث أن يقتنع بأن ما يجري اختباره تبادليا بين الاساتذة وضعف الاستجابات الحكومية لتلك المطالب سيبقى في مرحلة جس النبض بين الطرفين أو حتى مطمئنا بالمعنى العلمي والعملي للاستمرار هكذا، أو ليس الحوار قيمة نظرية وإجرائية مطلوب منا جميعا تعميقها؛ فهل نحن فاعلون؟

[email protected]