ما الذي يغضبهم

 

معاريف – عاموس جلبوع   

حظي مطلب رئيس الحكومة الصريح الاعتراف بإسرائيل على أنها دولة الشعب اليهودي بمعارضة عربية كاسحة، لكنه حظي أيضا بنقد داخلي من قبل ساسة وأدباء ومحللين. وأساسه أننا غير محتاجين الى اعتراف أبي مازن بطابع إسرائيل اليهودي؛ وأنه الى الآن لم يطلب أي رئيس حكومة هذا الطلب؛ يفسر العرب هذا الطلب على أنه تحليل لفرض الدين اليهودي على المسلمين في إسرائيل او حتى جعلهم يغيرون ديانتهم او طردهم. وباختصار طلب نتنياهو عائق للسلام يجب إبعاده عن جدول العمل.

اضافة اعلان

أرى ان هذا النقد خاطئ من أساسه. لا أعرف محاميا أو طبيبا أو استاذ جامعة مستعدا لئلا يعترف من حولهم بألقابهم التي تعرف هويتهم المهنية، بدعوى أنه لا يهمهم اعتراف من حولهم لأنه يكفيهم أنهم يعترفون هم أنفسهم بذلك. لست أعرف جماعة انسانية غير معنية بأن يعترف من حولها بها، وبما تجسد وترمز اليه لان هذا الاعتراف هو الذي يمنحها الشرعية الضرورية جدا. وشيء آخر هو منذ متى يهتم أناس عقلانيون بسخافات العرب، وفحواها ان الاعتراف العربي بدولة إسرائيل اليهودية سيفضي الى فرض الديانة اليهودية على عرب البلاد؟ ما الفرق بين هذه التعليلات السخيفة وفرية الدم عن العادة اليهودية ذبح المسيحيين في عيد الفصح؟

ثالثا لماذا لا يسأل جميع المنتقدين بيننا أنفسهم السؤال البسيط والمنطقي: لماذا يقفز العرب كمن لدغتهم مائة أفعى معارضين الاعتراف بدولة إسرائيل على أنها دولة الشعب اليهودي؟ ما الذي حدث؟ لو كان الحديث عن مسألة قليلة الشأن في ظاهر الأمر، وتافهة ولا قيمة لها، ما الذي يجعلهم يصرخون كشخص واحد معارضين ذلك؟ ما الذي يقف حقا وراء معارضتهم؟

وهنا نأتي الى الاساس. يكمن الرفض العربي (وفي نطاقه الرفض الفلسطيني) للاعتراف بدولة إسرائيل على انها دولة الشعب اليهودي في أسباب أساسية عميقة. العرب غير مستعدين للاعتراف بالشعب اليهودي كشعب. فالحديث بالنسبة اليهم عن ديانة فقط ولهذا يزعمون من جملة ما يزعمون أننا لا نملك أي تراث قومي. ويقوم في أساس هذا الزعم هدف واضح هو أنه اذا لم يكن اليهود جماعة قومية، ولا شعبا، فانهم لا يستحقون حق تقرير المصير. هذا الحق ممنوح للشعب الفلسطيني مثلا لكن ليس للشعب اليهودي لانه "لا يوجد حيوان كهذا".

يرى العرب أن الدولة التي أقامها اليهود أساسها الخطيئة والظلم والسيطرة على أرض عربية. وقد جعلت سلسلة من الحروب الدول العربية تعترف بأن إسرائيل حقيقة يجب التسليم بها بل عقد سلام بارد معها الان، ولكن مع رفض الاعتراف بحق اليهود البتة في دولة يهودية ذات سيادة في قلب العالم العربي الاسلامي. ومن هنا يأتي المطلب العربي الذي لا استثناء فيه بان تعترف إسرائيل بمسؤوليتها عن مشكلة اللاجئين الفلسطينيين (التي اهتموا بالحفاظ عليها طوال السنين) واعادتهم الى بيوتهم في إسرائيل تحت شعار "حق العودة". لهذا يكفر عرب إسرائيل ايضا بحق إسرائيل في أن تكون دولة يهودية.

بجملة واحدة: لن يكون في رأيي أي سلام حقيقي، وأي نهاية للنزاع، إلا اذا سلمت الدول العربية علنا بأن دولة إسرائيل غير موجودة كحقيقة واقعة فقط بل إنها دولة الشعب اليهودي.