ما المطلوب من النظام العربي؟

كل يوم جديد يضاف لهذه الحرب المدمرة على لبنان، يخلف عواقب وخيمة، وطويلة الاجل في اتجاهات مختلفة.

أكثر الجهات عرضة لخطر هذه العواقب هي الجامعة العربية ودولها، والنظام العربي الرسمي، فقد عجزت الجامعة العربية عن القيام بأبسط المطلوب منها في مثل هذه الظروف المصيرية، عجزت عن عقد اجتماع عربي للتداول، وذلك اقل الممكن، ووجه الرئيس اليمني دعوة للقاء قمة لكنه ما لبث ان سحبها عندما لم تتوفر الارادة العربية الكافية، حتى للقاء ولتقييم عواقب العدوان.

اضافة اعلان

عندما نضع هذه الصورة بالغة الخطورة في جانب، وفي مقابلها الغليان الشعبي في كل ارجاء الوطن العربي، لا يمكن الا ان نتصور اتساع الهوة بين هذه الشعوب وقياداتها. فالهوة قائمة اصلا، لان العدوان الاسرائيلي لم يبدأ فقط بالهجوم على لبنان، بل هو مستمر منذ سنوات. والعدوان ليس فقط بزحف الدبابات والقصف الجوي والبحري وبالحصار والتدمير، كما نحن نشهد الآن في لبنان وغزة، فهو ايضا في استعمار الارض وبناء المستوطنات وبالاغتيالات اليومية والحصار والتجويع وسجن الناس بعشرات الآلاف، وفي بناء جدار الفصل العنصري وبغير ذلك من الممارسات غير المسبوقة التي ظلت اسرائيل ماضية فيها بلا تردد، ولا مراعاة، لا لعملية سلام، ولا لعلاقات دبلوماسية، ولا لاتصالات طبيعية، ولا لمبادرات عربية.

صمت العرب على كل ذلك، وكانت الرسالة لإسرائيل واضحة: طالما اننا صامتون, وطالما ان العلاقات لم تتأثر ولم تتهدد فلماذا تحسب اسرائيل للعرب اي حساب؟ ليس من غير المألوف، كما تعلمنا من التاريخ، ان تقطع الدول العلاقات فيما بينها كتعبير عن عدم الرضا عندما يطرأ ما يسبب ذلك، كم من المرات قطعت الدول العربية علاقاتها الدبلوماسية مع بعضها البعض، وظلت تلك العلاقات مقطوعة لسنوات، لم تنته هذه الفترة في تاريخ التعامل بين الشعوب، ولا يزال مبدأ التعامل بالمثل من اهم المبادئ التي تحكم العلاقات بين الدول، فكيف يمكن ان تظل العلاقات قائمة وطبيعية بين اسرائيل وعدد كبير من الدول العربية بينما القوات الاسرائيلية تمارس أبشع اعمال القتل والتنكيل ببلدان عربية اخرى؟!

ما معنى بقاء الجامعة العربية، وما معنى أي حديث عن المصير المشترك والتاريخ المشترك والتطلعات المشتركة، عندما نتفتت ونتجزأ الى هذا المدى؟! من قال ان المطلوب من اي دولة عربية ان تحرك جيوشها لساحة المعركة لنصرة لبنان او لنصرة فلسطين، ليس لأن هذا هو امر ميؤوس منه، او لأننا لم نبن الجيوش لنحارب اسرائيل او لنجهزها بما يمكنها من التصدي لهجوم من اسرائيل، فتلك حقائق، بقدر ما هي مؤلمة، هي ايضا معروفة للشعوب العربية، وهي متجذرة في الذاكرة العربية، التي ذاقت ذل الهزيمة بعد الاخرى، على يد جيش ثبت الآن انه يعجز عن التغلب على مقاومة صغيرة ومحاصرة ومحدودة الامكانات، بكل المقاييس، لكنها تملك الارادة.

ليس المطلوب اعلان الحرب على اسرائيل، بل المطلوب ان نحافظ على الكرامة العربية المجروحة، والمثخنة الآن بجروح جديدة، المطلوب ان نخير اسرائيل بين طريق السلم او طريق الحرب، فإن هي اختارت السلم فلنمض في طريق السلم، ولكن عندئذ لا يسمح بأي عدوان لا في فلسطين، ولا في لبنان، ولا في اي مكان آخر، لا اجتياح، ولا مصادرة اراض، ولا بناء مستوطنات، ولا اغتيال، ولا اعتقال، ولا حصار، ولا تدمير منازل، ولا بناء جدار يمزق الارض ويمزق الناس.

أما إن هي اختارت طريق الحرب، وقد اختارت ان تظل على طريق الحرب، بالرغم من كل المبادرات العربية، ومن معاهدات السلام، ومن تبني العرب جميعا لاستراتيجية السلام والالتزام بها دون اي خلل منذ ما يزيد على خمسة عشر عاما، اقول: ان هي اختارت طريق الحرب فعلينا جميعا ان نعيد النظر في كل ما يسمى بعملية السلام. وهذا لا يعني الحرب، بل اتخاذ كل الاجراءات الضاغطة سياسيا ودبلوماسيا لإشعار اسرائيل انها لا تستطيع ان تحظى بفوائد الحرب والسلم في آن واحد. فذلك لا يفهم على انه تسامح بل استسلام، ولا يفهم انه وفاء للسلم، بل تفريط بالكرامة والحق، ولا انه اعتدال وتعقل بل قصور وعجز عن الدفاع عن الوطن والمواطن، فنصبح مستباحين لكل طامع ومغامر وناهب ومعتد.

هل هذا هو المصير المشترك الذي ناضلت الاجيال من أجله؟! وهل هذه هي تطلعاتنا وآمالنا القومية ووفاؤنا لأمجادنا المدعاة وتاريخنا العريق المجيد؟! نفهم تماما استحقاقات التوازنات الدولية، ونفهم ضرورة موازنة المواقف بالامكانات، وضرورة تحسب العواقب والنتائج لاي قرار او اجراء، ونفهم بصراحة اكبر ان الولايات المتحدة، الدولة العظمى، تقف بكل قواها وامكاناتها وراء اسرائيل، وانها مستعدة، بلا تردد، لمواجهة كل اجراء يمس اسرائيل بما يستوجب الحذر.

ولكن واجب صداقة اي دولة عربية لهذه الدولة العظمى ان تنصحها بالكف عن المغامرات المدمرة في افغانستان والعراق، وتنصحها بأن انقيادها الاعمى وراء اسرائيل وتبنيها لكل جرائم اسرائيل، وحمايتها لكل انتهاكات اسرائيل للقانون الدولي منذ نشأت، قد دمر علاقات اميركا مع العالمين العربي والاسلامي، ودمر سمعتها في العالم، وألحق ضررا بالغا بمصالحها لعقود لاحقة, وأجبرها على ان تنتهك هي كل الاعراف والمواثيق الدولية وان تضع نفسها في بؤرة الغضب والاستنكار والرفض، عندما اخذت تتصرف كأسوأ الدول المارقة.

واجبنا ان لا نصبح كالأعمى الذي ينجر بلا عقل ولا تفكير ولا إدراك وراء الاعمى حتى نسقط جميعا في هاوية الهلاك والاندثار والندم. على الدول العربية ان تقلع عن سياسة الانانية وقصر النظر والبحث عن النجاة الذاتية، فنهاية هذه الطريق معروفة وهي السقوط الجماعي, اما الطريق الاكرم والافضل، والافعل، حتى من الحرب، هي ان نتلاقى ونتصارح ونكوّن موقفا واحدا نحمله لأميركا، فنقول كلمة الصدق والحق، ونبين طريق الصواب البعيد عن مغامرات المحافظين الجدد والمسيّرين بالكامل من قبل اسرائيل ومشروعها الصهيوني، فذلك يخدم علاقاتنا مع اميركا، وذلك يعزز فرص السلام، ويعيدنا لدائرة التأثير، ويفرض احترامنا على الآخرين.

المطلوب ليس شد الرحال للحرب، بل مواقف تؤكد تمسكنا بكرامتنا وحقوقنا واستعدادنا للتضحية من اجل ذلك، الاستعداد وحده عامل ردع، بينما الاستسلام المسبق والاعلان المتكرر عن عدم الاستعداد هو الهزيمة المسبقة المعلنة.

علينا ان نواجه اميركا بصوت واحد، ان الخطر الذي يهدد وجودنا ومصيرنا يأتي من اسرائيل وليس من ايران، واذا كنا قد تعودنا على اننا شيعة وسنة، او اننا مسلمون ومسيحيون، فتلك هي الطائفية المدمرة التي زرعتها المغامرات الاميركية في العراق، وتريد لها ان تنتشر في كل ارجاء هذا الوطن لتفتيته، فنحن عرب قبل كل شيء، ونحن مواطنون في دول، ولسنا اعضاء في طوائف، علينا ان نحارب هذه الفتنة لا ان نحارب من اجلها.

سفير الأردن سابقاً في الأمم المتحدة