ما الوجهة المتوقعة للتعليم العالي؟

ما الوجهة المتوقعة أو المفترضة للتعليم العالي في العالم وفي بلادنا بطبيعة الحال؟ عندما نتحدث عن الطبيعة المتغيرة للأعمال فلا بد أننا نتحدث تلقائيا عن الطبيعة المتغيرة للجامعات والمعاهد الدراسية بعد الثانوية العامة، المفترض أنها الحلقة العملية الوسيطة بين الأعمال والوظائف والأسواق وبين الشباب المقبلين على العمل، وقد تشكلت الجامعات التقليدية والقائمة اليوم ونضجت وفق ثلاثة متطلبات، أولها المؤسسات الدينية التي طورت جامعات وكليات بهدف تطوير عمل رجل الدين ليكون أكثر كفاءة واستيعابا لمتطلبات عمله المتغيرة والتدفق العلمي والمعرفي في مجال عمل المؤسسات الدينية، والثاني هو اتجاهات ورؤى الطبقات الأرستقراطية التي حاولت الارتقاء بالفنون والآداب والفلسفة واستيعاب وتطوير المهارات والأعمال الفنية، هكذا تحولت قصور الأغنياء والأرستقراطيين إلى ساحات عمل للموسيقيين والفنانين والفلاسفة كما اشتغل الارستقراطيون أنفسهم في هذا المجال، ومازالت هذه الحقول في الدراسة والعلم تحمل الذاكرة الارستقراطية في فرصها وعلاقاتها الاجتماعية والمهنية، والثالث هو النقابات المهنية والشركات التجارية والصناعية التي طورت المهن والعلوم البحتة والتكنولوجية وكانت في حاجة الى تنظيم واستيعاب الاحتياجات والتطلعات الواعدة والناشئة بفعل التقدم العلمي والتقني والثورة الصناعية. و قد انعكس الصراع بين الطبقات المنشئة للتعليم الجامعي على العلوم نفسها، فمازالت العلوم الإنسانية والاجتماعية والبحتة والتكنولوجية تحمل في فلسفتها واتجاهات العاملين في حقولها صراعا وقطيعة فيما بينها، وكان لذلك أثر كبير في اتجاهات العلوم والمهن وفي الاعتدال والتطرف أيضا، وفي حين كانت الفلسفة والإنسانيات تجتذب الأكثر ذكاء في بداية عصر النهضة، وكانت مكافأة غاليليو (1564 – 1642) على سبيل المثال عندما كان أستاذا للفيزياء في جامعة بيزا تساوي عشر مكافأة أستاذ الفلسفة في الجامعة نفسها! ما الوجهة المتوقعة أو المفترضة للتعليم العالي في العالم وفي بلادنا بطبيعة الحال؟ لقد أدت التكنولوجيا إلى زيادة الطلب على المهارات المعرفية العامة العليا - مثل حل المشكلات المعقدة أو التفكير الناقد أو الاتصالات المتقدمة القابلة للنقل عبر الوظائف ولكن لا يمكن اكتسابها من خلال التعليم المدرسي وحده. ويلاحظ البنك الدولي زيادة الطلب على الأعمال ذات المهارات المرتفعة وانخفاضه بتناسب طردي مع مستوى المهارات، وزاد الطلب أيضا على اتجاهات التعلم مدى الحياة، وتتزايد أعمال التدريب والتعليم من خلال الانترنت والجامعات المفتوحة، كما يزيد الطلب على العمل والتعليم والتدريب في مجال الابداع، ويتوقع بطبيعة الحال أنها اتجاهات تحدد مستقبل التعليم العالي، وربما تتخذ مسارات التخصص والتعليم مسارات متعددة ومرنة ومتنوعة، بحيث يكون في مقدور الطالب تلقي تعليم عام في التخصصات التقليدية في العلوم والاقتصاد والهندسة على سبيل المثال، ويكون في مقدوره أيضا تلقي تدريب مهني مباشر، مثل التمريض والصيانة والمحاسبة والتأهيل الطبي والبرمجة والتصميم، وقد تبدو الفكرة غير عملية حتى الآن أو صعبة التطبيق، ومن الحلول العملية المقترحة مجموعة برامج دبلوم مهنية أو نظرية بحيث يتلقى المتخصصون في المجال المهني دبلوما في الدراسات والمجالات النظرية والعامة، والعكس بالنسبة للمتخصصين في مجالات معرفية وعلمية عامة. ما يزال غير ممكن التنبؤ بالعوائد والاتجاهات العملية للتخصصات والأعمال، لكن فكرة المزاوجة بين التخصصات المهنية والمعرفية العامة تبدو تأهيلا جيدا وملائما، بحيث يكون في مقدور الشباب الحصول على مهنة نشطة في السوق وأن يكون في مقدورهم أيضا الحصول على تأهيل معرفي وعلمي عام يطور مهاراتهم ويساعدهم في الحاجات والاتجاهات الإبداعية والمتغيرة. ومن المؤكد أن التقدم الوظيفي والإداري والعام للمهنيين يتطلب مهارات ومعارف عامة وإنسانية واجتماعية، ومن الاقتراحات التي يقدمها البنك الدولي تطوير التعاون بين الأسواق والمصانع والمؤسسات التعليمية، بحيث يكون في مقدور الطرفين إضافة إلى الأساتذة والطلاب امتلاك البوصلة والإحساس العام بمتطلبات العمل والأسواق والتعليم. ومؤكد أن الشبكة صارت تقدم حلولا سريعة ومفيدة.اضافة اعلان