ما بعد بعد كورونا

محمد البشير عمان - اتخذت الحكومة اوامر دفاع محمودة وكثيرا من القرارات التي ساهمت في الحد من خطر هذا الوباء، مما يؤكد ان النجاح في معالجة مشاكلنا المالية، الاقتصادية والاجتماعية ممكن واصبح في متناول اليد، اذا اخذنا من هذا التعاون الرائع الذي شاركت في انجاحه كل مؤسسات الدولة الاردنية وعلى رأسها (الجيش، الاجهزة الامنية، الحكومة وفي المقدمة منها القطاع الصحي بمختلف اختصاصاته بالاضافة الى مؤسسات القطاع الخاص سواء كانت صحية، غذائية، طاقة اومؤسسات كغُرف الصناعة، التجارة والنقابات المهنية اوالنقابات العمالية او نقابات اصحاب العمل).. نعم فالنجاح اصبح حقيقة بتعاون جميع الناس على اكثر من صعد ايضاً، سواء بالاستجابة الى اجراءات الحكومة او بالتعاون معها في تخفيف آثار تدني الدخل أواعباء الحياة المعيشية بشكل عام. ضمن السياق اعلاه وللبناء على ما تم من نجاحات فعلى الحكومة ولمعالجة مشكلتنا المالية والاقتصادية اتخاذ الاجراءات التالية: اولا: المالية العامة لقد اصبح واضحاً ان الثلاثة عقود الماضية التي شهدت تغييراً جوهرياً في السياسات المالية التي اتبعتها الحكومات المتعاقبة ادت الى النتائج المالية التي اتسمت بها موازنة 2020 التي بنيت على سابقاتها سنة بعد سنة حيث ادى ذلك الى تعظيم النفقات الجارية وتقليصا للنفقات الرأسمالية حيث اصاب التشوه بند الرواتب بعد استحداث عقود الاستخدام والوحدات المستقلة متبوعاً في تشوهات في العلاوات والبدلات والمكافآت في جسم الوحدات الحكومية مترافقاً ذلك مع ارتفاع نفقات الدفاع والامن بعد ان عصفت في المنطقة البؤر المشتعلة كالقاعدة وشقيقاتها بالاضافة الى ارتفاع كلفة المديونية من حيث الاقساط او الفوائد المستحقة عليها وانتهاءً بفاتورة التقاعد التي اصبحت عبئاً حقيقياً على المالية العامة من حيث القيمة، ونظراً لتفاوت مفرداتها ما بين المتقاعدين حديثاً والمتقاعدين القدماء فانها اصبحت عنواناً لغياب العدالة بين ابناء الوظيفة العامة من المتقاعدين وتشابه الحال مع شاغلي الوظيفة العامة حالياً، مما احدث شرخاً في علاقة هؤلاء مع دولتهم العتيدة. ان هذا الاسراف في النفقات الجارية والاستجابة الى نصائح صندوق النقد الدولي والبرامج الموقعة معه من قبل الحكومات منذ سنة 1989حتى 2019 وباللجوء الى ركني الضرائب والمديونية لتغطية هذه النفقات وباتباع سياسات منسجمه مع السياسة المالية التي اتبعتها الدول الغربية (تاتشر 79، ريغان 81) في كف يد الحكومة في التدخل بالشأن الاقتصادي ومنح الدور كاملاً للقطاع الخاص من حيث الملكية العامة او اللجوء الى الضرائب غير المباشرة (جمارك، مبيعات) بدلاً من ضراب الدخل في تحصلات حاجات الخزينة فقد تم اقرار قانون ضريبة المبيعات في العام 1994 تنفيذاً لما ورد في برنامج التصحيح الاقتصادي للسنوات (1992-1994) وتخفيض الضرائب على الدخل بحجة تشجيع الاستثمار محلياً واستقطابه من مصادر خارجية، حيث تم فرض ضريبة مبيعات على مدخلات الانتاج الزراعي والصناعي وسلعهما المنتجه والخدمات المهنية ....الخ دون المساس بالخدمات المالية وعلى وجه الخصوص البنوك، التأمين حيث انعكست هذه التشريعات سياسات مالية مباشرة وعبئاً قاسياً على القطاعات الانتاجية على وجه الخصوص. ثانياً: الاقتصاد الاردني هذه السياسات المالية التي اتبعتها حكومات ما بعد تسعينيات القرن الماضي توجته تلك الحكومات بالتوقيع على اتفاقية التجارة الحرة التي ازالت الحواجز الجمركية على السلع المستوردة على وجه الخصوص حيث اصبحت السلعة الاردنية (زراعة، صناعة) ما بين كفي كماشة ضرائب المبيعات من جهة وسلع مستوردة بأسعار اقل من جهة اخرى ادت سنة بعد سنة الى تراجع الاستثمار في القطاعات الانتاجيه من جهة والى هروبها الى دول اقل كلفة من جهة اخرى، مما ادى الى دخول الاقتصاد في انكماش انعكاسا لخلل هيكلي في الاقتصاد تمثل في تقليص حصة قطاع الزراعة والصناعة في الناتج المحلي الاجمالي ورفع حصة قطاع الخدمات وبحصص (67 %، 33 %) على التوالي، مما ادى الى فشل برنامج التصحيح الاقتصادي في تحقيق نسب النمو المستهدفة او تخفيض عجز الموازنة أو العجز الكبير في ميزان التجارة بسبب بطء نسبة النمو في الصادرات وارتفاع نسبة النمو في الاستيراد بالاضافة الى ارتفاع نسب البطالة التي تعتبر الزراعة والصناعة بيئتها الحاضنة بالاضافة الى فشل كل برامج التصحيح في وقف سباق الحكومات نحو اللجوء الى المديونية في تسديد التزاماتها المالية التي رفعت من فاتورة خدمة الديون اقساطاً وفوائداً عكست نفسها في مزيد من الضرائب. لقد استمرت الحكومات في نهجها رغم عدم تحقيق النتائج المأمولة بكل البرامج التي وضعتها لتحسين مؤشرات النمو، التجارة الخارجية، الحساب الجاري، ميزان المدفوعات، المديونية، البطالة والفقر، بسبب عدم قدرتها على معالجة الاختلالات المزمنة في السياسات المالية من جهة التي انعكاست اختلالات في هيكل الاقتصاد الاردني من حيث عدم توازن مكونات الناتج المحلي الاجمالي (صناعة، زراعة، خدمات) من جهة اخرى. ثالثا: معالجة الاختلالات المالية والاقتصادية ان معالجة حقيقية لهذه الاختلالات يتطلب فريقاً غير مؤمن بالنهج الذي سارت عليه الحكومات منذ منتصف التسعينيات، التي انتهجت سياسات مالية فشلت في الموازنة ما بين النفقات العامة بشقيها الجاري والرأسمالي، والضرائب بشقيها ايضا المباشرة (دخل) وغير المباشرة (مبيعات وجمارك) والمديونية بوظيفتيها النافعة ،المتعلقة بدعم النفقات الرأسمالية، والسالبة، المتعلقة بتسديد عجز الموازنة . فبند الرواتب ، سواء في الوحدات الحكومية او المستقلة، شاملاً ذلك العلاوات اوالبدلات اوالمكافآت بحاجة الى معالجة، وخضوع كل المؤسسات العامة لنظام رواتب عامة موحد، بغض النظر عن تسمية المؤسسة مستقلة او غير مستقلة ، بما في ذلك الشركات المملوكة للحكومة او التابعة لها بحيث لا تزيد رواتب الدرجة العليا على خمس اضعاف الدرجة السادسة مثلا مدخلا لمعالجة فجوة الدخول، مترافقاً ذلك مع تخفيض للنفقات العسكرية والنفقات الدخيلة على الموازنة كالدعم النقدي، الصحة، الجامعات، المحروقات...الخ ونقل هذه البنود الى الوزارات التابعة لها مع تحسين حقيقي للنفقات الرأسمالية لمعالجة القصور في بنية النظام الصحي برمته والنظام التعليمي بالاضافة الى دعم قطاع النقل من اجل ايجاد بيئه جاذبة للاستثمار من جهة وملبية لحاجات المواطنين الاردنيين الذين اضطرهم تدني التعليم، الخدمات الصحية ورداءة وسائل النقل العام بسبب التراجع في الانفاق على هذه القطاعات الثلاثة ، الى الهروب في التعليم والطبابة الى القطاع الخاص والى امتلاك مئات السيارات الخاصة للتنقل، مما ساهم بشكل او بآخر في هذه التشوهات التي توطنت في المجتمع من جهة والى مزيد من الاختلالات في الموازنات العامة في العقود الثلاث الماضية من جهة اخرى. اما الضرائب فإن معالجة الخلل في الهيكل الضريبي اصبح اكثر من ضروري باعتبار ان الحكومة الحالية وعدت في معالجته ولم تفي بوعدها، من حيث ان تغليب الضرائب غير المباشرة (مبيعات، جمارك) في تحصيلات الخزينة، على حساب الضرائب المباشرة (دخل) اخل في السياسات المالية والتي اخلت بالسياسات الاقتصادية اذ رفعت كلف الانتاج، مما حال دون اعادة توزيع الثروة ومن تعميق فجوة الدخول بين الاغنياء والفقراء. المطلوب اعفاء شامل للسلع الشعبية الاساسية، اعفاء مدخلات القطاع الزراعي والصناعي من ضريبة المبيعات، فرض ضريبة مبيعات على السلع الراقية، وسلع الرفاهية، وسلع نخب اول، وبما ينسجم مع نص المادة (111) من الدستور حول تصاعدية الفئة والنسبة ، بحيث تضمن السياسة الضريبية ان يدفع الاغنياء للخزينة اكثر مما يدفعه الفقراء ومتوسطي الدخل. تخفيض ضريبة المبيعات عن المشتقات النفطية وعن قطاع الاتصالات بحيث تراعي النسب الضريبية جودة السلعة وقيمة الفاتورة وبما يحقق مساهمة اكبر للخزينة من اصحاب الدخول المرتفعة ومساهمة اقل من اصحاب الدخول المتوسطة. ان تخفيض اشتراكات الشيخوخة بما يتناسب مع قدرة المشتركين بالضمان الاجتماعي على الدفع وكذلك قدرة المنشآت الخاضعة، يساعد كثيراً في تخفيف العبء عن الموظفين الذين تآكلت دخولهم ويساعد ايضاً في تخفيض كلفة السلع والخدمات المنتجة على حدٍ سواء. ان مدخلنا للاصلاح يبدأ سياسياً، وان مشكلتنا الاقتصادية تكمن في تكلفة منتجاتنا السلعية والخدمية على حد سواء، وبمعالجة هذين السببين نستطيع معالجة اختلالات المالية العامة (نفقات عامة،ضرائب ومديونية) وهيكل الاقتصاد (زراعة،صناعة وخدمات).اضافة اعلان