ما بعد "كورونا".. عالم مختلف اقتصاديا ولفترة طويلة

بول سالازار*

واشنطن- لقد تسببت جائحة كورونا في خسائر بشرية ضخمة؛ حيث قارب عدد المصابين من عتبة الـ20 مليونا وأكثر من 700 ألف وفاة على مستوى العالم.اضافة اعلان
ومع استمرار التغير الجغرافي للفيروس، تظهر بؤر وبائية جديدة في البلدان النامية -منها في أميركا اللاتينية وجنوب آسيا، فضلا عن اتجاهات مثيرة للقلق في أجزاء من أفريقيا. كما تظهر موجة ثانية من تفشي الفيروس في مناطق كانت قد شهدت تقدما من قبل.
وينعكس صدى الآثار الاقتصادية والاجتماعية للجائحة على الصعيد العالمي: فوسط حالة من عدم اليقين، يمكننا جميعا أن نستشرف عالما سيكون مختلفا تماما لفترة طويلة. ومن المرجح أن يسقط ملايين آخرون من البشر في براثن الفقر المدقع بسبب فيروس كورونا، وسيعاني الفقراء الحاليون المزيد من الحرمان. وهناك أكثر من مليار وظيفة مهددة في العالم، ما يزيد الحاجة إلى تحسين شبكات الأمان لأغلب العمالة غير الرسمية والعديد من الفئات الأكثر تأثرا.
وفيما تدخل البلدان النامية في سباق مع الزمن لوقف حالة الطوارئ الصحية، سيتعين عليها البحث عن سبل لاحتواء الخسائر الاقتصادية والاجتماعية، والعمل بصورة عاجلة على إعادة خطط التنمية إلى مسارها من جديد.
تتعهد مجموعة البنك الدولي على هذه الجبهات كافة ببذل كل ما في وسعها لتقديم يد العون. ونحن ندرك أن النطاق الواسع لجائحة كورونا يتطلب اتخاذ تدابير استثنائية حقا، ونعكف بالفعل على العمل مع أكثر من 100 بلد من البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل لتدعيم أنظمتها الصحية، وتوسيع نطاق الاستجابة للجائحة، وإرساء أسس التعافي.
ونعتزم تقديم ما يصل إلى 160 مليار دولار من الموارد التمويلية في الفترة من نيسان (أبريل) 2020 وحتى حزيران (يونيو) 2021 للحد من وطأة الطوارئ الصحية، وأيضا التصدي للآثار الاقتصادية والاجتماعية للأزمة.
ويشارك في هذا الجهد جميع أذرع التمويل بمجموعة البنك الدولي؛ حيث يأتي ثلثا هذا التمويل من البنك الدولي للإنشاء والتعمير/والمؤسسة الدولية للتنمية -وهما ذراعا مجموعة البنك المعنيان بتمويل القطاع العام، ويأتي الباقي من الذراع الممول للقطاع الخاص- مؤسسة التمويل الدولية والوكالة الدولية لضمان الاستثمار.
وكما أوضحت في تدوينة، حديثة هناك أربع أولويات للتحرك الواسع والسريع الذي تقوم به مجموعة البنك الدولي حاليا، وهي: إنقاذ الأرواح التي تهددها الجائحة؛ وحماية الفئات الفقيرة والأشد احتياجا؛ والمساعدة على إنقاذ الوظائف والشركات؛ والعمل على بناء تعاف أكثر قدرة على الصمود. هذه الأولويات موضحة في نهجنا العملي للتصدي لأزمة فيروس كورونا الصادر تحت عنوان: إنقاذ الأرواح وزيادة الأثر والعودة إلى المسار الصحيح. وأهيب بالجميع دراسة هذه الورقة بعمق، وأود هنا أن أسلط الضوء على نقاط عدة.
إن جائحة كورونا تقتضي عمل البنك الدولي بسرعة غير مسبوقة وعلى نطاق واسع وبانتقائية فريدة. وتطمح استجابتنا للأزمة إلى مساعدة البلدان المتعاملة معنا على مؤازرة مليار على الأقل من مواطنيهم الذين تأثروا بأزمة فيروس كورونا، وعلى إحياء الزخم على صعيد هدفينا الإنمائيين -وهما إنهاء الفقر المدقع، وتعزيز الرخاء المشترك. ونقوم على تنظيم استجابتنا للأزمة على صعيد المراحل الثلاث للإغاثة وإعادة الهيكلة والتعافي القادر على الصمود. الأولى تتعلق بالاستجابة الطارئة للتهديدات الصحية التي يشكلها فيروس كورونا وما يترتب عليه من آثار اجتماعية واقتصادية ومالية عاجلة. وبينما تتمكن البلدان من السيطرة على الجائحة وتبدأ في إعادة فتح اقتصاداتها، تركز مرحلة إعادة الهيكلة على تدعيم الأنظمة الصحية في مواجهة الأزمات المستقبلية؛ وعودة الحياة اليومية وسبل كسب العيش إلى طبيعتها من خلال التعليم وخلق الوظائف وتوفير سبل الحصول على الرعاية الصحية؛ ومساعدة الشركات والمؤسسات المالية على الوقوف من جديد على أقدام راسخة.
إن مرحلة التعافي الثابت تتطلب مساعدة البلدان على بناء مستقبل أكثر استدامة وشاملة وصمودا في عالم بدلته الجائحة.
ويتبلور كل هذا في فكرة "إعادة البناء على نحو أفضل"، التي تعني الاستعانة بالتدخلات التي تفي بالحاجة على المدى القصير مع عدم إغفال التحديات الإنمائية على المدى الأبعد.
وفي خضم معالجة هذه الأزمة، يكتسب التعاون الدولي قدرا جديدا من الأهمية. فمطالب التمويل مضنية بالفعل، ومن خلال التعاون الوثيق فقط نستطيع أن نرتقي إلى مستوى هذا التحدي. وسنحتاج إلى توثيق عرى التعاون في العمل بين القطاعين العام والخاص، وخاصة بمساعدة القطاع الخاص على النهوض من جديد، وبهذه الطريقة نسهل الحفاظ على الوظائف وخلق أخرى جديدة. ومع أخذ الميزة النسبية لمجموعة البنك الدولي في الاعتبار، سنعمل مع الجهات المتعاملة معنا والشركاء -من القطاعين العام والخاص، والمؤسسات من متعددة الأطراف إلى المحلية- لوضع مناهج مبتكرة من شأنها تسريع وتيرة التقدم في مكافحة الجائحة وتحويل الأزمة إلى فرصة.
وأنا متفائل أنه بالمثابرة والدعم الراسخ، ستتمكن بعض البلدان من الوصول إلى مرحلة التعافي الصامد بأسرع مما يمكن أن نتصوره اليوم. وهذا يقتضي منها جميعا ضرورة البدء في التفكير في سبل إعادة كل بلد نام بناء نفسه على نحو أفضل. إن الطريق طويل، وسنحتاج إلى تحالف عالمي حقيقي للاستجابة على النطاق المطلوب لتسطيح منحنى الجائحة وتصعيد منحنى التعافي. لكننا سنصل في النهاية.

*البنك الدولي