ما تعد به الموازنة

إذا كانت الموازنة تعكس خطة التنمية للعام المقبل، فليس هناك شيء استثنائي يعكس مشروع النهوض الوطني الذي يتحدث عنه الرئيس. فمعظم النفقات الرأسمالية تغطي استكمال نفقات ومشاريع موجودة وقيد المتابعة والمخصصات لنفقات جديدة هي 266 مليونا، وليس جميعها للمشاريع بالطبع، لكن ليس متوقعا أن نطلب تخصيص أكثر من إجمالي مليار و242 مليونا هي مجموع النفقات الرأسمالية لموازنة لا تملك مصادر إيرادات تغطي أكثر من النفقات الجارية وستعاني من عجز يزيد على 600 مليون بعد المنح والمساعدات. ليس هذا فحسب، بل إن الإيرادات قد تقصر عن التقديرات كما حصل للعام 2018؛ حيث كانت الإيرادات الضريبية أقل بـ400 مليون دينار عن تلك المقدرة في الموازنة، ومصدر النقص موزع على مختلف الضرائب وبصورة خاصة ضريبة المبيعات بما يؤشر على التراجع في النشاط الاقتصادي عموما. وحسب ردود الفعل على إقرار قانون ضريبة الدخل، فهناك أجواء إحباط لدى مختلف القطاعات الاقتصادية وتوقعات النمو أصلا متواضعة، ثم إن تقديرات الإيرادات لا تأخذ بالاعتبار الخفض المحتمل على ضريبة المبيعات لمروحة واسعة من السلع يطالب بها النواب، بل وحسب رئيس اللجنة المالية يربطون إقرار الموازنة بإقرار الحكومة تخفيضات محددة على ضريبة المبيعات لسلة السلع الاستهلاكية الرئيسية للمواطن. تراجع الإيرادات الضريبية من معظم القطاعات خلال العام 2018 عن المقدر في بداية العام قد يتكرر للعام 2019 اذا استمرت الأوضاع الراهنة، ونحن الآن لا نسمع عن تحسن سوى في القطاع السياحي، بينما الركود يضرب مختلف القطاعات؛ الصناعي والتجاري والعقاري والخدمات، هناك شكوى مريرة وهي حقيقية وقد سمعت من محاسبين قانونيين لشركات ومؤسسات يؤكدون التراجع الشديد في الأعمال. وفي العادة فإن الملجأ الأخير لانتشال الوضع هو التوسع في الإنفاق العام الذي لا نراه في الموازنة. هل يوجد بديل غير التمويل الحكومي؟ نعم يوجد، لكن بدعم والتزام من الحكومة وتمويل من القطاع الخاص المحلي وغير المحلي على غرار مشروع مياه الديسي مثلا الذي موله القطاع الخاص بمئات الملايين مقابل التزام الحكومة بشراء المياه بنسب سنوية لمدة تغطي استرداد الكلف والأرباح. وهي طريقة يمكن تطبيقها على جميع المشاريع الكبرى، بما في ذلك النقل وسكك الحديد. لكن لم نر أثرا في خطاب الحكومة للمشاريع الكبرى بالشراكة مع القطاع الخاص، مع أن الرأسمال موجود لو توفرت المشاريع الكبرى بضمانات حكومية وهناك فقط الحديث الخجول عن صندوق الاستثمار الذي لا نعرف كم سيتشجع الرأسمال الخاص للمشاركة به بينما واقع الحال أننا نسمع عن تسرب الرأسمال الى الخارج بحثا عن الاستثمار في مناطق أخرى كمصر والخليج وتركيا. ليس هذا فحسب، بل نسمع الآن معلومات مؤكدة عن نزوح التقاعد الى الخارج، نقصد أن مواطنين يعيشون على راتب التقاعد يذهبون للعيش في تركيا هربا من الغلاء هنا. وحسب ما قال لي صديق أمس عن قريب لي وزوجته راتبهما التقاعدي 600 دينار يدفعان منه 300 دينار أجرة المنزل في عمان والباقي لا يكفي لعيشهما، ذهبا الى تركيا منذ 3 أشهر واستأجرا منزلا ريفيا جميلا بمائة دينار وينفقان من الباقي لعيش جيد بل ويوفران جزءا منه. ويبدو أن هذه الظاهرة تتوسع! ظاهرة كهذه نضعها برسم التساؤل والتفكير على أبواب العام الجديد. لم يعد الأمر يتعلق بمناشدة قتيبة ممثل جيل الشباب أن لا يهاجر بحثا عن الفرص في الخارج بل أن نقول للمتقاعد لماذا يجب أن لا يهاجر وينفق تقاعده في الخارج.اضافة اعلان