ما هكذا تورد الإبل في دمشق

ليس رجماً بالغيب، القول إن انتظار الأمين العام لجامعة الدول العربية سيطول كثيراً قبل أن يتلقى دعوة لزيارة دمشق ومقابلة أركان النظام المنهمك في حملته الضارية ضد المطالبين بحرياتهم المصادرة منذ نحو نصف قرن، وبحقوقهم الأساسية المنتهكة بفظاظة عز نظيرها في عالم اليوم.اضافة اعلان
مبعث هذا التقدير المتشائم حيال زيارة نبيل العربي الذي كبا كبوته الأولى في دمشق قبل نحو شهرين، ذاك الجزع الذي أخذ يستبد بالنظام القمعي، جراء انكشاف حقيقته الداخلية المتعارضة تماماً مع كل ما كان يروج له عن ذاته، وتآكل ثقته بنفسه المترعة بالغرور، وخساراته لمعظم تحالفاته.
فقد أسقط السوريون الأحرار بكلفة باهظة صورة النظام الممانع، وجردوه من المزاعم التي اقتات عليها طويلاً وهو يقدم نفسه كقلعة للمقاومة، ونزعوا عنه ورقة التوت التي تستر بها على عوراته، ثم أعادوا جلاء وجهه كعصابة مافياوية تفوح منها رائحة تزكم الأنوف، وذلك عندما اصطف إلى جانبه أحمدي نجاد ونوري المالكي ومقتدى الصدر وحسن نصرالله.
على هذه الخلفية المتواضعة من المعرفة بجوهر حكم عائلي مأزوم، راح يوغل في دماء السوريين بعيداً، ويقتص من علمائهم ومآذنهم ومثقفيهم، ويستبيح حرماتهم وممتلكاتهم وحيواتهم، فإن لنا أن نتساءل بحرقة: ماذا لدى الرئيس من قول يقوله لنبيل العربي، في حضرة هذه المجزرة الدموية المتنقلة بين المدن والضواحي والمحافظات السورية؟
هل سيعيد عليه المقولات ذاتها عن المؤامرة الخارجية والعصابات المسلحة والمندسين الأوغاد؟ وهل سيدعي أمام الأمين العام أن الجزء الأكبر من الأزمة قد بات وراءه، وأنه لم تعد هناك حاجة للتوسط أو المناصحة، طالما أن الإصلاحات ماضية حسب الجدول الزمني، والحوارات الداخلية قادمة على الطريق، فيما الوضع الأمني بات تحت السيطرة؟
وعليه، فإن السؤال؛ لماذا كان على مجلس الجامعة العربية أصلاً أن يجشم نفسه عناء الاجتماع حتى ساعات الفجر الأولى، من دون أن يمس جوهر المسألة، كي يجد حاله أقرب ما يكون إلى حال جمعية حقوق إنسان، حتى لا نقول إنه كان أقل جرأة من ذلك، وهو يتحاشى تسمية الولد باسمه الحقيقي، مكتفياً بالدعوة إلى "وقف إراقة الدماء وتحكيم العقل قبل فوات الأوان" وبالتالي تكبيد نبيل العربي مشقة السفر؟
ومع أن التوقعات المسبقة من اجتماع مجلس وزراء الخارجية العرب لم تكن ترقى إلى ما هو أبعد من المناشدة، إلا أن المفاجأة كانت هذا الهبوط بمستوى أداء العمل العربي المشترك إلى درجة أدنى حتى من أسوأ التوقعات، حين تم وضع الأمين العام الجديد في موضع سيئ، وهو ينتظر السماح له بزيارة دمشق التي لا يحتاج السفر إليها إلى "فيزا" دخول مسبقة.
لقد قادنا حسن الظن في لحظة عابرة إلى الاعتقاد أن الجامعة العربية، التي سبق لها أن علقت عضوية نظام القذافي لديها، وحثت المجتمع الدولي على التدخل لحماية الليبيين، سوف تنأى بنفسها عن سياسة المعايير المزدوجة المشكو منها، وأن وزراء الخارجية ربما سمعوا عن استغاثة السوريين بأشقائهم ومطالباتهم بتوفير الحماية لهم.
وعليه، فقد استحق هذا الاستخذاء العربي الرسمي ما لقيه من تجاهل واستخفاف، من قبل نظام لم يسمع نصائح بعض حلفائه الإقليميين الكبار، ولم يستجب لكل من دعاه إلى تجنب الحل الأمني طالما أنه راسخ الاعتقاد بانتفاء خيار التدخل العسكري الدولي، ومطمئن إلى محدودية قدرات النظام الرسمي العربي على الفعل، ناهيك عن ركونه إلى إجماع المنتفضين السوريين على تجنب ما فاضت به السابقة العراقية من مضاعفات رهيبة.