ما هو أبعد وأخطر من التطبيع!

تفتح الحادثة الخطيرة في مقام النبي هارون الذي اقتحمته الأسبوع الماضي مجموعة صهاينة متطرفين لإقامة شعائرها التلمودية في محاولة لسرقة تاريخ المكان الأثري الأردني العربي، على ما هو أخطر من تجرؤ الصهاينة على هذا الفعل الذي لقي إدانة شعبية واسعة وحرجا حكوميا كبيرا، وهو ملف الاختراقات الإسرائيلية على مستوى الأفراد ممن وقعوا بمستنقع التطبيع وإقامة علاقات ومصالح مع العدو عبر أبواب مشرعة على عواهنها، لا يستبعد معها إسقاط البعض في شرك العمالة لهذا العدو.اضافة اعلان
في الأنباء والتفاصيل التي رافقت تسرب أخبار وتسجيلات الحفل الصهيوني الديني بمقام النبي هارون، تحدثت الصحافة الإسرائيلية وبعض التسريبات عن تورط بعض العاملين بالقطاع السياحي في تسهيل مهمة المجموعة المتطرفة باقتحام المقام رغم إغلاقه رسميا بوجههم وتمكينهم من إدخال أدوات الصلاة والشعائر التلمودية بصورة غير قانونية، ومن ثم تسجيل هذا الاختراق الوطني، والذي لا نعتقد أن حفنة من الأموال والرشى تكفي وحدها ليقدم أحدهم على مثل هذا السقوط الفاضح، بل هي قد تعكس ما هو أخطر من ذلك!
ملف زيارة الأردنيين إلى كيان الاحتلال عبر الحصول من السفارة الاسرائيلية بعمان على "فيزا" سياحية، أو للعمل (في إيلات تحديدا) أو "فيز" زيارة رجال أعمال وتجار، يعد من الملفات المسكوت عنها إلى حد كبير، بالرغم من الموقف الشعبي وعلى صعيد الموقف النقابي الحزبي والسياسي غير الرسمي برفض التطبيع مع اسرائيل ووصم المطبعين بأقذع الصفات ما يدفع معظم الممارسات التطبيعية للبقاء في الظل والظلام، لكنه وللأسف لا يمنع البعض من ممارسته والوقوع به، الأمر الذي يمكن أن يفتح الباب لما هو أخطر من كسر الحاجز النفسي والوطني مع هذا العدو، وصولا إلى الوقوع ببراثن العمالة لأجهزته الأمنية.
المراقب والمتابع لهذا الملف يلحظ وجود عدد من المكاتب السياحية المحلية التي تنظم رحلات شبه منتظمة ودورية لأفواج سياحية لكيان الاحتلال بالتنسيق مع سفارته بعمان، حيث تملأ إعلاناتها مواقع التواصل الاجتماعي. الشريحة الأكبر من المقبلين على هذا النوع من "الفيز" والتأشيرات هم من أردنيين يرغبون بزيارة أقارب لهم بالضفة الغربية والقدس المحتلتين أو تفقد بيوتهم وأراضيهم بهذه المناطق، ولا يجدون طريقا لذلك سوى الحصول على "فيزا" السفارة الاسرائيلية رغم الرفض المبدئي للتعامل مع سفارة الاحتلال باعتباره تطبيعا مرفوضا.
الشرائح الأخرى التي تقبل على الحصول على تأشيرة سفارة الاحتلال تضم رجال أعمال وتجارا، وهم قلة معزولة، إضافة إلى فئة قد تكون قليلة العدد ومعزولة أكثر لكنها ربما تكون الأخطر، وهي فئة من المقتدرين وبينهم مهنيون ونخبويون وأطباء ومحامون ومهندسون وصحفيون وعاملون بالقطاع السياحي وغيرهم، لا يتردّدون في التطبيع مع هذا العدو لمجرد السياحة أو التسكع ببارات ونوادي تل أبيب وملاهيها وشواطئها وبعضها يأتي على هامش تلبية دعوات اسرائيلية رسمية لجهات غير رسمية، حيث تصدم أحيانا من تباهي البعض خلال جلسات خاصة بزيارته لهذه الأماكن بكيان الاحتلال! وهذا النوع هو الأخطر وطنيا رغم قلة عدد المنغمسين به.
طبعا؛ ليس خافيا على أحد الأساليب الشيطانية والبذيئة التي يتم الإيقاع عبرها بالعملاء من قبل الموساد الاسرائيلي، وتجنيدهم لخدمة مصالح الاحتلال في كل العالم، فالمال والنساء والإغراءات والابتزاز وتصوير حفلات المجون والتهديد بفضح المشارك بها، هي الطريقة المثلى للإيقاع بالعملاء والساقطين وطنيا وإنسانيا، ومن ثم الطلب منهم كل أنواع الخدمات للاحتلال.
رأس جبل الجليد في قضية التطبيع هو التساقط أخلاقيا ووطنيا بكسر الحاجز النفسي بالتعامل الطبيعي مع العدو الوجودي للأمة، لكن الأخطر في القضية هو ذلك الجزء الغارق في الماء من الجبل الجليدي، وهو الاختراقات الأمنية التي يوفرها مثل هذا التطبيع وتجري في أنفاق الظلام وكواليس السقوط السرية!