أفكار ومواقف

ما يزال الارتباك سيد الموقف!

لم يعد العديد من نخبة العمل العام كما كان أمرهم سابقاً؛ ينتظرون رنات هواتفهم كلما أذن الأمر بتشكيل حكومة جديدة. ليس لأنهم سئموا الانتظار، بل لأنهم لم يعودوا مهتمين بالمشاركة، حتى إن البعض منهم يبدون الاعتذار عن المشاركة عند استمزاجهم. فما الذي جرى واستدعى عزوف البعض عن المنصب الوزاري في الفترة الأخيرة، بينما كان قبل ذلك يسعى إليه الكثيرون، وندر أن اعتذر عنه أحد جرى تكليفه؟
يحتاج الأمر إلى بيان الأسباب نظراً لضرورة ذلك من أجل سلامة تشخيص ما آل إليه المشهد السياسي، وضرورته أيضاً لتوفير فرص النجاح لمحاولات إصلاحه. ولا يقل أهمية عن بيان الأسباب استلهام العبرة من ذلك، لضمان سلامة الخطوات القادمة على طريق الخروج من صعوبات المرحلة الراهنة، والانطلاق إلى أفق يسوده التوافق والثقة المتبادلة، للوصول بالبلاد إلى بر الأمان الذي يتوق إليه الجميع، في ظل إقليم يشهد نهوضاً شعبياً غير مسبوق، وتغمره المفاجآت التي لم تكن لتخطر على بال.
من أسباب الإعراض عن تولي المسؤولية الوزارية أو الاعتذار عنها تقييد الصلاحيات ومحاصرة الاستقلالية، وتآكل الولاية الدستورية للحكومات، وفقدان الثقة بسلامة النهج الذي تتشكل به الفرق الحكومية. وهي هواجس تبعث على الإحباط وضعف الأمل في إمكانية التغيير المفضي إلى النجاح. أما عن استلهام العبرة من هذه الأسباب، وهو ما لا يقل أهمية عن إدراكها، فهو المدخل إلى تجاوز فجوة الإرادة السياسية التي تجاوزت حدود المعقول، وأدخلت البلاد في ارتباك دفع بالناس إلى الشارع، وقلص مساحة الحركة أمام الحكومات، ووجه جل جهدها لإدارة الأزمات المتفجرة على أكثر من صعيد.
كان مؤملاً من الحكومة الحالية أن تكون أعمق فهماً لطبيعة المرحلة، وأفضل إدراكاً لأسباب عدم المشاركة في الحكومة من قبل القوى والأحزاب والأفراد، واستلهام العبرة من واقع المرحلة وأسباب العزوف عن المشاركة على نحو أكثر دقة. فمصلحة الجميع كانت تقتضي أن يأتي الفريق الحكومي فوق مستوى الحد الأدنى المطلوب الذي تحتاجه المرحلة، بخاصة أنه أول رسائل الحكومة للشارع، بل هو عنوان رسالتها إليه، وباعث الطمأنينة في النفوس على جدية إرادة التغيير التي تحملها وتلك التي تقف من خلفها.
بات واضحاً الآن أن ثمة صداقات كان لها تأثير كبير على تأليف الحكومة، كما أن عددها عكس اهتماماً مناطقياً مبالغاً فيه على حساب عوامل أخرى أكثر أهمية. وبينما تغيب ملامح الفريق الاقتصادي عنها، بولغ في الحضور القانوني الذي بدا بلا مبرر على الإطلاق. وآخر ما بدا ملتبساً في الفريق الحكومي وجود أسماء لا اختلاف على تحفظات الشارع عليها، مما يشي بأن قوى المصالح الخاصة والتدخل ما تزال تتمتع بنفوذ عابر للحكومات.
من جانب آخر، فإن الشارع الذي أفلح بالضغط على دوائر القرار ورئيس الحكومة لتشكيل فريق حكومي أفضل، لم يأت ضغطه بحجم حراكه ومستوى طموحه. ومن المهم أن نعترف أن ذلك لم يكن فقط بسبب ما واجهه من ضغط معاكس سلبه بعض قوة دفعه، وإنما لنقص في قوة ضغط الشارع نفسه. ويعود ذلك إلى ضعف التنسيق بين القوى الفاعلة والمنظمة في المعارضة التقليدية وعدم قدرتها على استيعاب صعود قوى اجتماعية وشبابية جديدة غير مؤطرة أسهمت بشكل قوي في قيادة حراك الشارع.
إذا كان من حق قوى حزبية التحفظ على المشاركة والاكتفاء بمباركة الحكومة بانتظار اكتشاف إرادتها وقدرتها على الإصلاح والتغيير، فإن من واجبها بالمقابل أن لا تدخر وسعاً في توحيد قوى المعارضة وتمكينها من وضع برنامج إصلاحي جامع تطرحه على المجتمع، وتحاور به دوائر القرار.

[email protected]

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock