ما يمكن إنقاذه

قبل أن تستعر في بلادنا «الجائحة» أو «الفاشية»، وفق ترجمة أخرى، كان يمكن للمعلومات التي كانت تردنا تباعا من مختلف دول العالم والتي كان يتم تحديثها وتغذيتها ونشرها يوميا، أن تحسن من فعالية مواجهتنا مع الوباء، وأن نتمكن من حماية أكبر عدد ممكن من الأرواح، وأن نخفف المعاناة والألم عن أنفسنا ومواطنينا، وأن نحقق نوعا من التوازن بين التبعات الاقتصادية والاجتماعية والنفسية للمرض، إلا أن هذا كله كان يصطدم دائما بعوامل ثقافية واجتماعية واقتصادية عنيدة تتمثل بالإنكار والتجاهل والإهمال والأنانية وعدم الانضباط. وفيما تتسابق شركات الأدوية ومراكز الأبحاث الصحية في إنتاج اللقاح المخلّص والظفر بالغنائم الهائلة، كان ثمة عمل دؤوب متواصل عبر العالم لتخفيف التكلفة وتقليل الخسائر -إلى حين وصول الترياق الواقي. وتوفرت الأرقام والمعطيات الإحصائية من كل حدب وصوب، وطورت المؤشرات البسيطة والمركبة بسرعة، وتم نشر الاستراتيجيات المختلفة، والتجارب الناجحة والفاشلة مع معطيات رقمية كافية «لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد». صحيح أن في الإحصاءات تضاربا وتسرعا وربما تضليلا، فلم تكن كل المعلومات في هذا السياق دقيقة، ولا كل الدراسات منضبطة، ولكن كان وما يزال الكثير مما يمكن عمله للحد من أثر الوباء وتخفيف آثاره من خلال هذه المعلومات الوفيرة، وفيها ما هو موضع إجماع عند من يعتبرون في الإجماع. أرقام كورونا الجامحة لا تعكس فقط كفاءة النظام الصحي للدولة والمجتمع، بل ترسم منحنيات الانضباط والصبر والتخطيط والمعرفة والمسؤولية ومنحدر الأنانية، فقد شاهد العالم حال شرق الكرة الأرضية كيف يظهر ويتفشى فيه المرض ثم ينحسر، ورغم ذلك فقد قلّ من اتعظ بغيره، فكان لزاما عند الكثيرين أن يشاهدوا البلاء في أنفسهم وفيمن حولهم ليتأكد عندهم صدق تلك المقولات. بقيت أشهر قليلة ولكنها ثقيلة إلى أن يبدأ المطعوم في الوصول إلى المستشفيات والصيدليات، وسيتلو إعلان «فايزر-بيونتك» إعلانات أخرى -بإذن الله، ومن المتوقع أن تصل جرعات كافية من المطعوم في خريف العام المقبل، وهنا المخابر العلمية وصناعة الصيدلة والعقاقير توفي بوعودها، وتحقق الأمل الإنساني منها، وبالتأكيد تجني ثمن ذلك وفيرا حلالا زلالا، وإذا لم يكن لدينا نصيب في هذا الجهد العلمي فلا أقل من أن نكون مهيئين لتوفير اللقاح من خلال وضع الخطط والموازنات للحصول عليه، وترقب الجديد بشأنه، وتحديد أولويات استخدامه، وتوفير مستوى التجميد اللازم لنقله وتخزينه. ولكن حتى يتحقق هذا الوعد فنحن في سباق مع الزمن لحماية آلاف الأرواح العزيزة، وتجنب الآلام والأوجاع القاسية، ولذلك فنحن بحاجة إلى استدراك ما نعرفه من قصور، ومعالجة ما اقترفناه من أخطاء، وتصويب المسار لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من براثن هذا الفاتك، ولن نمل من أن نصدع بالمقولة ذاتها «التباعد الاجتماعي، وارتداء الكمامات، والنظافة والتعقيم، والتغذية الصحية».اضافة اعلان