مبادرة أقدمها لدولة الرئيس عن كيفية ملاحقة الفاسدين

استمعت وغيري من أبناء الشعب الأردني إلى أحاديث دولة الدكتور عبدالله النسور التي بثتها المحطات الفضائية، وأسهب فيها بشرح مبررات قرار إلغاء الدعم عن المشتقات النفطية. وتابعت، كما تابع غيري، تصريحاته لوسائل الإعلام المختلفة، وقوله بأنه يتحمل مسؤولية اتخاذ القرار، وأنه أقوى من المخابرات.اضافة اعلان
ولفت انتباهي قول الرئيس أن موضوع الفساد واسترداد الأموال التي أخذها الفاسدون بغير حق، تحتاج إلى بينات. وأنه يهيب بمن لديه معلومات من الأردنيين عن فاسد أو فاسدين أن يتقدم بها إلى الجهات المعنية.
لن أخوض في سلامة أو عدم سلامة قرار إلغاء الدعم عن المشتقات النفطية، فقد أشبعه الاقتصاديون والسياسيون والمحللون حديثاً، وكانوا في مجملهم لا يوافقون دولة الرئيس في المبررات التي ساقها، ولا في التوقيت الذي تم اتخاذ القرار فيه، ويطالبون بتجميده أو إلغائه. وأقول مجملهم لأني أستثني ما يقوله بعض شخصيات العشيرة الحكومية في تلفزيون "حبحبني عالخدين" الحكومي، وأقلام التدخل السريع الموظفة للتسويق والتلميع الدائم.
وفي الوقت الذي أضم فيه صوتي إلى صوت المنادين بالتجميد أو الإلغاء، فإنني من باب ممارسة دولة الرئيس لولايته العامة بدون أي مؤثرات من أي نوع، كما أعلن، أذكره أن بمقدوره فتح الباب للكفاءات الأردنية لتقديم العون في كشف الفساد والفاسدين، وذلك من خلال لجان تقصي حقائق من ذوي الاختصاص، يسميهم مجلس النقباء، كما سنرى، للتدقيق في جميع العناوين التي وضعتها مسيرات الشعب الأردني وقواه السياسية في موضوع الفساد.
وتشكيل لجان من هذا النوع هو من اختصاص حكومته. وقد سبق لدولة الدكتور معروف البخيت أن شكل لجنة تقصي حقائق في عدد من الملفات التي تدور حولها شبهات فساد، لكن اللجنة لم تعمّر، وذهبت مع ذهاب الدكتور البخيت.
وما أقترحه هنا هو أمرٌ موسع، ينطوي على بعد تنظيمي مؤسسي. إذ إن تشكيل لجنة تقصي حقائق لكل موضوع، سيؤدي إلى أن يأخذ كل عنوان نصيبه من التدقيق والتّمعن والفحص، بحيث يُحاسب من يثبُت فساده، ويحظى بالبراءة من لم يثبت بحقه أي تجاوز أو انحراف، آخذين بعين الاعتبار أنه في الوقت الذي ما نزال فيه نراوح مكاننا في هذا الموضوع، فإن القضاء المصري قد حكم باسترداد 61 مليار جينه مصري من الفاسدين، وكان للجان تقصي الحقائق دور كبير في تقديم العون للأطر الرسمية، وترتب على ذلك أن استعادت الخزينة المصرية حتى الآن 11 مليار جنيه، وما يزال التحصيل مستمراً للأحكام القضائية داخل مصر.
واستجابة لطلب دولة الرئيس بالإبلاغ عن الفساد والفاسدين، فإنني أضع أمامه تلخيصاً للعناوين التي أعلنت المسيرات والهتافات والقوى السياسية أن فيها شبهات فساد، وتحتاج إلى تقصي حقائق بشأنها. ويمكن أن يُشكل دولته لجنة من مختصين لتقصي حقيقة كل عنوان أو موضوع من كفاءات يسميها لدولته وحكومته مجلس النقباء، من قانونيين ومهندسين وغيرهم، تبعاً لطبيعة كل موضوع، باعتبار النقابات المهنية تشكل بيت خبرة عريقا في هذا الوطن. ووفقاً للنتائج، فإنه يتم التعامل رسمياً مع محصلة كل موضوع.
ومن العناوين التي أصبحت محلاً لشبهات الفساد، ما يلي:
1 - موضوع تفويض أراضي الخزينة للغير.
2 - موضوع تأجير عقارات الدولة بأجرة رمزية لأشخاص وذوات بعينهم.
3 - موضوع بيع أراضي الدولة بدون أي داع لذلك، أو بيعها بأقل من قيمتها تحت معاذير وذرائع شتى.
4 - موضوع التبرع بعقارات الدولة وتمليكها للغير.
5 - بيوع وعقود كل من: البوتاس، والفوسفات، والمياه، والاتصالات، وميناء العقبة ومشروعات العقبة الاقتصادية، والكهرباء، وبنك الإنماء الصناعي، واتفاقية المطار، ومنحة النفط الكويتية، وتمليك قصور لرؤساء وزارات ووزراء ومديري مخابرات وقادة جيش، وغيرهم ممن أصبح يطلق عليهم أبناء ليلة القدر، لأن الثمن المدفوع لذلك كان من مال الخزينة وجيوب المواطنين.
6 - موضوع شركة "موارد" وصندوق المشاريع وغيرها من الشركات المماثلة.
7 - موضوع سكن كريم، وما قام به المقاولون من بيوع من الباطن، وما تم تقاسمه من الغنيمة حتى قبل الشروع في العمل وتنفيذه.
وأكرر التأكيد أن كل واحد من الموضوعات السابقة يستوجب، كما أسلفت، تشكيل لجنة لتقصي حقيقة ما جرى فيه، مكونة من أفضل العقول المهنية، تبعاً لطبيعة كل موضوع. وتكون مهمة اللجنة فحص جميع الوثائق والمستندات أياً كان مكانها، وأياً كان الأشخاص الذين تتناولهم، وبعد ذلك تقدم تقريرها ليتم التعامل مع محصلته من قبل الجهات المعنية وفقاً للطرائق القانونية.
ونؤكد هنا أن دور اللجان المقترحة يشكل عوناً للمؤسسات الرسمية، ويُفَعّل دورها؛ كما يشكّل حماية وسنداً من الرأي العام لها في مواجهة أي ضغوط قد تواجهها. وفي جميع الحالات، فإن القضاء في النهاية هو صاحب القول الفصل في أي ملفٍ تبيّن أنه ينطوي على شبهة فساد.
وفي المحصلة أقول: إن البيّنات الأساسية التي تثبت الفساد في الموضوعات السابقة يتم استخلاصها من ملف كل موضوع على حدة. وهذا ليس صعباً على الخبراء الأكفاء، ولن يأخذ وقتاً. أما الانتظار لقيام الأردنيين بالإخبار عن أشخاص فاسدين لملاحقتهم، فإن ذلك لا يعالج شكوى الناس التي طال أمدها، وقد يمضي العمر ونحن ننتظر. ولعل ما نستطيع أن نحصله من الفاسدين، كما حدث في مصر، يمكن أن يسد عجزنا المالي، ويغنينا عن انتظار حسنةٍ من الغير.
ونداء أوجهه إلى دولة الرئيس، أؤكد فيه أن خطوة من هذا النوع ستكون استجابة لشعارات ومطالبات ترددت على مدى عشرين شهراً حتى الآن، ولن يتعارض عمل اللجان مع عمل الجهات الرسمية، وقد تطفئ هذه الخطوة نيراناً مشتعلة في الصدور، وتزيل شكوكاً تراكمت عند الناس في جديّة التعامل الرسمي مع ملفات الفساد.
وما دمت يا دولة الرئيس قد أخذت قراراً استنفر مشاعر الشعب، فإن الشعب يستحق منك ومن حكومتك قراراً يتجاوب مع نداءاته.