مترددون فيما دمشق تحترق

بوب كوركر*  (النيويورك تايمز)
ترجمة: عبد الرحمن الحسيني
فيما تنزلق سورية أكثر نحو الفوضى العارمة، تتصرف أميركا بتردد في لحظة فارقة محورية بالنسبة لمصالحنا القومية، وكذلك لمصالح حلفائنا في المنطقة. ومع أن سقوط الرئيس بشار الأسد يبدو حتمياً، يبقى السؤال: كم سيستغرق ذلك من الوقت، وكم سيكون حجم المعاناة وإراقة الدماء الذي سيحدث قبل أن يتم ذلك. وهناك معركة ثانية تلوح في الأفق في سورية، فيما المعارضة منقسمة على أساس خطوط طائفية بين المعتدلين وبين المتطرفين. ولم يعد كافياً أن تكون ضد السيد الأسد.اضافة اعلان
بعبارات عملية وأخلاقية، لن تكون هناك خدمة لمصالح أحد في الانهيار الفوضوي للدولة السورية، وعبر تمكين وتقوية المجموعات العنيفة المتطرفة التي لها روابط مع القاعدة، ولا في الانتقام الطائفي الذي قد يلي سقوط السيد الأسد. ولذلك، يجب على أميركا أن تعد العدة لاجتراح استثمارات والتزامات جديدة لتفادي حدوث كارثة أعمق مما هو قائم.
من المرجح أن يكون تفعيل القيادة الأميركية، سوية مع توفير الأسلحة والتدريب للثوار المعتدلين، هما العاملان الوحيدان القادران على قلب الموازين والمساعدة في وضع حد لسفك الدماء ووقف التهديدات الموجهة لنا ولحلفائنا.
لكن إدارة أوباما ما تزال غير حازمة. إنها ليست "مع" أو "ضد" أحد بالكامل، فيما الراديكاليون والمتشددون يصبحون بوتيرة سريعة قوة اكثر نفوذاً وسطوة داخل سورية. وإذا ثبتت صحة المزاعم عن استخدام سورية للأسلحة الكيميائية –"الخط الأحمر" الذي كان السيد أوباما قد قال إنه يجب على سورية عدم تجاوزه- فإن ذلك سيجبر البيت الأبيض والكونغرس على توسيع انخراطنا هناك.
لا شك أن الرئيس أوباما ومستشاريه يواجهون قرارات صعبة حول سورية. ويتوجب عليه العمل عن قرب مع الكونغرس في تصميم استراتيجيته وباتجاه عدم نشر أي قوات عسكرية من دون موافقة الكونغرس. ومع أنني مثل الرئيس، متردد في إلزام الولايات المتحدة بأن تكون طرفاً نشطياً وفعالاً في حرب معقدة وبعيدة، ولا أدعم نشر قوات أميركية لإسقاط السيد الأسد، فإنني أرى أن زمن "القيادة من الخلف" قد ولى.
أولاً، يجب على الولايات المتحدة العمل من أجل التأثير في ميزان القوى على الأرض، بحيث تنقل الزخم بعيداً عن المجموعات الإسلامية الراديكالية وباتجاه العناصر الاكثر اعتدالاً، والتي تأمل في أن تقود سورية بعد سقوط الأسد. ولسوء الطالع، لا تبدو العناصر المعتدلة التي يجب علينا دعمها أنها الأكثر صلابة وتماسكاً من بين القوات التي تقاتل في سورية.
وجب علينا استخدام الموارد والابتكار الأميركيين للمساعدة في التغيير –أكثر من مجرد "المساعدة غير المميتة" التي نقدمها راهناً. وهذا يتطلب تقديم الاسلحة والتدريب لوحدات الثوار التي تختبرها الولايات المتحدة، بالاضافة إلى المساعدة في تحسين المهارات القيادية والتعاضد في المؤسسات العسكرية والمدنية على حد سواء. ويجب علينا عدم الانخراط في بناء الأمة، لكننا نستطيع بالتأكيد دعم السوريين الملتزمين بإعادة بناء بلدهم.
غير أن إرسال الأسلحة وحده لن يحل المشكلة. فبعد كل شيء، تتدفق الاسلحة الصغيرة أصلاً على المقاتلين من مصادر أخرى في المنطقة بمعدل منذر يبعث على القلق. ومن خلال المزيد من انخراط الوحدات الموثوقة وتدريبها على احترام قانون الصراع المسلح وحماية البنية التحتية وتأمين مواقع الأسلحة الخطيرة، تستطيع أميركا تقديم دفعة إيجابية لمستقبل سورية عبر بناء علاقات مع شركاء المستقبل.
وبالإضافة إلى ذلك، يجب على الولايات المتحدة الاضطلاع بدور القيادة في بناء إجماع دولي حول ما يجب أن تكون عليه الحكومة السورية التالية. وينبغي أن لا نقع تحت أي أوهام: سيكون تحقيق ذلك صعباً للغاية، وسيتطلب أن نؤمن تغييرات كبيرة في السياسة الروسية وبلدان أخرى في المنطقة حول الصراع. وستكون إقامة قضية مشتركة بين المجموعات السنية المعتدلة والعلويين –الأطراف التي تخوض غمار حرب ضد بعضها البعض راهناً- ضد المجموعات السنية الراديكالية والوكلاء الإيرانيين، أمراً مركزياً بالنسبة لحكومة سورية التالية.
إن العلويين يتمسكون في جزئهم الأكبر بقوة بنظام الأسد بسبب خوفهم من أن يفضي تحقيق انتصار سني إلى ممارسة العنف الطائفي ضدهم، كما قد تنطوي آليات الصراع على إمكانية تعميق انقسام سني شيعي أكبر وأكثر إيلاما بكثير، والذي يعم سائر المنطقة.
وعندما يتعلق الأمر بروسيا، فإنه يجب على أميركا إظهار تفهم أعمق لمصالح روسيا الإقليمية، والاستفادة من مخاوفنا المشتركة من التطرف الإسلامي. ويعتقد القادة الروس بأن سورية أصبحت ملاذاً آمناً للمتطرفين، ويجب علينا أخذ ذلك القلق على محمل الجد بينما نصر في الوقت نفسه على إرسال المساعدات للمجموعات المعتدلة. ويمكن أن يكون هذا هو الأساس لبناء تفاهم جديد مع موسكو، وتشكيل نهج مشترك تجاه الأزمة السورية.
إن روسيا هي الطرف الوحيد القادر على إقناع السيد الأسد بأن عليه التنحي، والذي يعتبر خطوة أولى جوهرية باتجاه حل متفاوض عليه. كما أن الولايات المتحدة هي الوحيدة فقط التي تتمتع بموقف يمكنها من إقناع اصدقاء سورية -المجموعة المكونة من 11 دولة- بعزل المتشددين وجلب محور المعارضة إلى طاولة المفاوضات.
يجب على الولايات المتحدة أيضا أن تكون أكثر إصراراً على وقف الدعم الايراني للسيد الأسد، وكذلك على تحديد مصادر الدعم العام والخاص للمتطرفين المعادين للأسد في سورية واستهدافها بالعقوبات. كما يجب على البلدان الأخرى المعارضة للسيد الأسد، بما فيها الحلفاء الأميركيون، أن تكون اكثر انتقائية حيال من تسلح وتدعم في الحرب في سورية. وعليها أن تعترف بأن في مصالحها ومصالح أميركا معاً بناء تحالف علوي-سني من المعتدلين لمعارضة جيش السيد الأسد وكذلك المتطرفين السنة الذين يرتبطون بتنظيم القاعدة. وسيساعد تغيير ديناميات الصراع في المدى القصير في إعادة بناء سورية مستقرة في المدى البعيد.
تعكس رحلة وزير الخارجية جون كيري الأخيرة إلى إستانبول هذه النظرة، وهي خطوة تلقى الترحيب. لكن إنهاء العنف في سورية سيتطلب من الولايات المتحدة لعب دور أكبر، وسيجبرنا نحن وشركاؤنا على اتخاذ قرارات صعبة، ولا يمكن التنبؤ بتداعيات فشلنا الجمعي المستمر والتي تزداد خطورة مع مرور كل يوم.

* سيناتور من تينيسي، وهو أرفع جمهوري في لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي.
*نشر هذا المقال تحت عنوان:
Dithering While Damascus Burn