مجلس الشكاوى يحمي المجتمع والإعلام

تكاد تجمع كل الأطراف على أهمية تأسيس مجلس الشكاوى، سواء كان الإعلاميون أصحاب الشأن، أو الحكومة والبرلمان ومؤسسات المجتمع المدني، فمجلس شكاوى الإعلام صار ضرورة ملحة لإنصاف المتضررين من أخطاء وسائل الإعلام، وبعد أن استخدمت هذه التجاوزات الصحفية للنيل من حرية الإعلام والدعوات المستمرة لتشديد القيود عليها.اضافة اعلان
المطالبة بتأسيس مجلس شكاوى مستقل ليست وليدة اليوم، بل نصت الاستراتيجية الإعلامية قبل ما يزيد على 5 سنوات على ضرورة ميلاده، وجاءت الخطة التنفيذية للاستراتيجية الإعلامية التي صادق عليها جلالة الملك عبدالله لتؤكد على ذلك، ولكن تلكؤ الحكومات المتتالية ووجود معارضة أو عدم تفهم لدور هذا المجلس عند بعض الإعلاميين الذين يرون أنه سيتحول الى أداة تقييد جديدة ضدهم حال دون أن يرى النور.
في العام الماضي وجدت مطالبتنا وجهود الآخرين بضرورة إحياء فكرة تأسيس المجلس صدى، وللإنصاف فإن وزير الدولة لشؤون الإعلام الدكتور محمد المومني كان مؤيداً ومتحمساً لوجوده، وجاءت لجنة التوجيه الوطني الجديدة برئاسة الزميلة خلود الخطاطبة وفريق النواب لتدفع بالأمر خطوات إضافية كان آخرها اجتماع مجلس النواب لمناقشة تفاصيل الفكرة، وبعدها بأسابيع بادرت لجنة التوجيه الوطني البرلمانية إلى عقد ورشة عمل متخصصة حضرتها كل الأطراف المعنية لبلورة تفاهمات وتصورات مشتركة لعل الوقت يسعفنا بإقراره.
ورشة العمل التي نظمتها لجنة التوجيه الوطني وبعد نقاش دام يومين انتهت إلى أهمية تشكيل "لجنة فنية" مهمتها إنجاز تصور توافقي لمجلس الشكاوى.
اللجنة الفنية، إن جاز هذا التعبير، بين يديها وجهات نظر وتصورات سابقة، فلقد قدمت نقابة الصحفيين مشروعها ورؤيتها، وقدم مركز حماية وحرية الصحفيين مشروع قانون عرضه قبل ذلك في اجتماع موسع على أطراف المعادلة، وأرسل نسخا منه للحكومة والبرلمان، وقبل ذلك فإن هيئة الإعلام هي الأخرى قدمت رؤيتها ورئيسها الدكتور أمجد القاضي عرض دراسة في اجتماعات لجنة الاستراتيجية عن أفضل النماذج والمقاربات الدولية لتأسيس مثل هذه المجالس في العالم.
اللجنة الفنية التي تشكلت ضمت رئيس هيئة الإعلام الدكتور أمجد القاضي، وقاضي التمييز الدكتور محمد الطراونة، والنائب خلود الخطاطبة، وعوني الداود ممثلاُ لنقابة الصحفيين، والمحامي عبدالرحمن الشراري ممثلاً لمركز حماية وحرية الصحفيين، والزميل يحيى شقير والزميلة سوسن زايدة، وعقدت حتى الآن اجتماعين شهدا نقاشاً وبلورا تصورات أساسية.
برأينا؛ الأفضل أن يتأسس هذا المجلس بقانون يضمن استقلاليته، لكن الحكومة ومعها مجلس النواب تدفعان بصعوبة ذلك، لأن التوجه بعدم تأسيس مجالس مستقلة جديدة، ولذلك بات الاحتمال الأقوى أن يصدر بنظام، ودار جدل واسع حول تبعية المجلس، ورُشح المركز الوطني لحقوق الإنسان والمركز الوطني للنزاهة ومكافحة الفساد الذي يتوقع إقرار قانونه في البرلمان قريباً، غير أن الاتجاه استقر على تأسيسه سنداً لنظام مستقل بموجب أحكام المادة 120 من الدستور.
التركيز في اللجنة ينصب على طبيعة أهدافه وإرجاء آليات تشكيله والمظلة التي سيتبعها الى وقت لاحق قبل نهاية هذا الشهر.
والمؤكد أن مجلس الشكاوى سيتضمن عقوبات تأديبية، وسيكون مظلة لكل الإعلاميين سواء كانوا أعضاء بالنقابة أم خارج مظلتها، واللجوء له للتظلم مجاني، والنظر بالشكاوى سيأخذ صفة الاستعجال وسيعمل على إنصاف المتضررين ورد الاعتبار لهم، وبالطبع اللجوء له لن يحول دون اللجوء للقضاء بعد ذلك، ولكن ليس خلال نظر الشكوى عند المجلس.
الرهان أن يسهم تأسيس مجلس الشكاوى في تحسين مهنية الإعلام، وتطوير مدونات السلوك ومنظومة عمل إعلامي تغلب أخلاقيات المهنة وتنتصر لها، وتعمل على الحد من مظاهر الفساد التي انتشرت في الوسط الإعلامي باعتراف الصحفيين أنفسهم، وتعيد الاعتبار لمهنة مقدسة تقدم الحقيقة والمعرفة للجمهور، وتستعيد ثقة الناس بها.
مجلس الشكاوى ليس اختراعاً أردنياً بل معمول به في كثير من الديمقراطيات العريقة، وتقبل به اطاراً منظماً لعملها الكثير من المؤسسات الإعلامية المعروفة.
الفرصة ماتزال مواتية للجميع أن يساهموا في دعم تأسيس مجلس الشكاوى، وبالطبع دون التفريط أبداً بأهمية حرية واستقلالية العمل الإعلامي، ودون التوقف أبداً عن المطالبة بتعديل التشريعات المقيدة والسالبة للحريات، ومع التصدي لكل من ينتهك حقوق الصحفيين ويعتدي على حريتهم.