مجلس النواب.. أي رسالة يريد إرسالها بإقراره قانونا مثيرا للجدل ومرفوضا من الأحزاب السياسية؟

للأسف، لم تستقبل الأحزاب إقرار مجلس النواب لمشروع قانون الأحزاب السياسية لسنة 2012 بالترحاب، مع أن القانون من المفترض أن يكون أحد القوانين الناظمة للعمل السياسي في الأردن. وهذا يعود إلى قناعة العديد من الأحزاب، ومنها مؤثرة في الساحتين الحزبية والشعبية، بأن القانون بصيغته التي أقر بها "لن يساهم في تطوير الحياة الحزبية" وسيعرقل العمل الحزبي، بفرضه شروطا عديدة على تأسيس الأحزاب، وعقوبات مالية، بالإضافة إلى تحديد وزارة الداخلية جهة مرجعية للأحزاب.اضافة اعلان
ويثير إقرار "النواب" لقانون لا يرضى عنه الكثير من الأحزاب مخاوف من أن يقر المجلس قانونا للانتخاب لا ترضى عنه الأحزاب فحسب، وإنما فاعليات وحراكات شعبية وشبابية، ومؤسسات مجتمع مدني.
فقانون الأحزاب على أهميته، إلا أنه لا يرقى إلى أهمية قانون الانتخاب الذي يعتبر جوهر العملية الديمقراطية؛ فعلى أساسه يجري انتخاب السلطة التشريعية والرقابية الأولى، ولا يمكن لقانون سيئ أن يفرز مجلسا يمثل حقيقة المواطنين، أو أن يساهم في تطوير الحياة السياسية تمهيدا للوصول إلى حكومات برلمانية.
إن المؤشرات غير الإيجابية التي يعطيها إقرار المجلس النيابي لصيغة غير مقبولة من قبل الأحزاب السياسية القائمة، ومثيرة للجدل، لقانون الأحزاب السياسية تستدعي من الجميع الانتباه إلى ما قد يقره المجلس فيما يتعلق بقانون الانتخاب.
كما أن ذلك يثير تساؤلات حول قناعة المجلس بمنهج الإصلاح حقيقة. نعم، النواب يتحدثون عن الإصلاح وضرورة تنفيذه، إلا أنهم عندما يقفون على استحقاقات إصلاحية نراهم يتراجعون، ويتخذون قرارات "غير إصلاحية"، ويسيرون في طريق مخالفة للتوجهات الإصلاحية الرسمية. ولا يكفي أن نتحدث يوميا عن أهمية الإصلاح، فذلك يظل عملا نظريا، ولكن الأهم أن نمارس ذلك على الأرض، من خلال قوانين وتشريعات ومواقف نقرها ونسير بها.
اللجنة النيابية المشتركة (الحريات والقانونية)، وبعد أن أجرت حوارات ومناقشات مع الأحزاب ومؤسسات المجتمع المدني، أدخلت تعديلات مناسبة على مشروع قانون الأحزاب المقدم من الحكومة، ولكن المجلس لم يأخذ بها، بل رفض التعديلات المهمة، ومنها إناطة مهمة الإشراف على الأحزاب بلجنة في وزارة العدل، بدلا من وزارة الداخلية. وهذا الأمر قد يدفع أحزابا وهيئات ومؤسسات مجتمع مدني إلى الانضمام إلى حزب جبهة العمل الإسلامي وحزب الوحدة الشعبية في موقفهما المقاطع لاجتماعات اللجنة القانونية المكلفة من المجلس بمناقشة مشروع قانون الانتخاب مع القوى والفاعليات السياسية والمدنية المتنوعة. لذلك، قد يكون من المفيد لعملية الإصلاح أن يرد "الأعيان" مشروع قانون الأحزاب إلى مجلس النواب ليعيد النظر فيه من جديد. ولا يحتاج من المجلس النيابي الكثير لإقرار قانون ديمقراطي ومناسب؛ عليه فقط أن يأخذ الصيغة التي أقرتها اللجنة النيابية المشتركة. فهذه الصيغة مقبولة من غالبية الأحزاب والقوى السياسية، حتى تلك التي لم تشارك في الحوارات التي نظمتها اللجنة. إن إعادة القانون إلى مجلس النواب، وإقرار الصيغة المقدمة من اللجنة المشتركة، سيكون بمثابة رسالة إيجابية للمجتمع المدني، بكل تلاوينه وتشعباته، بأن المجلس حريص على الإصلاح، وأنه سيعمل من أجل تحقيقه بالصورة المناسبة، وأن مواقف المجلس لن تكون ردود أفعال على مواقف أحزاب وحراكات شعبية وشبابية، وإنما نابعة (مواقفه) من رؤيته للإصلاح، ورغبته في تحقيقه والمساهمة في ذلك جديا وليس شكليا.
لا ضير أن يراجع مجلس النواب موقفه من قانون الأحزاب، في حال رُد إليه من مجلس الأعيان، بل إن ذلك إن حصل، سيكون علامة إيجابية تسجل للمجلس. وسيشجع ذلك القوى السياسية والحزبية ومؤسسات المجتمع المدني على الانخراط بجدية في الحوارات التي تجريها الآن اللجنة القانونية حول قانون الانتخاب.
إن الموافقة على التعديلات المقترحة من اللجنة النيابية المشتركة ستعطي دفعة قوية للجنة القانونية، وستعزز من ثقة الأحزاب والقوى بالحوارات التي تجريها، فنتائجها ستقبل من مجلس النواب، ولن تركن على الرف أو ترفض.
إذن؛ قد يكون المخرج برد مجلس الأعيان لقانون الانتخاب إلى مجلس النواب، ليعطيه بذلك فرصة جديدة لكسب ثقة الشارع، وللعب دور أكثر جذرية وجدية في عملية الإصلاح.

[email protected]