محطة قطار جرف الدراويش.. 100 عام في حراسة تفاصيل المكان

ملحق بجانب المحطة للخدمات العامة كان للمسافرين
ملحق بجانب المحطة للخدمات العامة كان للمسافرين

تغريد السعايدة

عمان- تحتضن قرية جرف الدراويش محطة القطار الواقعة على بوابة الطفيلة منذ ما يزيد على المائة عام، فهي المنارة التي تهدي المارة عبر الطريق الصحراوي في رحلتهم إلى الجنوب.اضافة اعلان
في قلب القرية وبجانب مبانيها القدمية المتهالكة، تكون محطة الانتظار وسكتها شاهدة على رائحة وعبق المكان الذي يعكسه طبيعة الحجر القديم بقِدم التاريخ؛ إذ يشهد بلاطها الدمياطي على خطوات العابرين خلال عقود حتى أصبحت موقفاً للمارين ممن يشاهدون المبنى ويكملون طريقهم بحثاً عن مواقع تتوفر فيها الخدمات.
"الغد" زارت موقع السكة والمحطة؛ حيث لم يتواجد فيها إلا "موظف" وحيد من سكان قرية جرف الدراويش التي تعاني ظروفاً معيشية صعبة على الرغم من وجود السكة التي من المفترض أن تكون مصدراً لاستقطاب السياح، خاصة وأن آخر رحلة للقطار مرت من وسط القرية كانت قبل ما يقارب السنة فقط.
ويزور المحطة بشكل مستمر زوار عابرون للمكان، يتساءلون عن سبب غياب البنية التحتية المناسبة للمكان التي كانت ستسهم بتحويله لموقع سياحي ومزار للآلاف ممن يبحثون عن محطة استراحة "تراثية" على طريق العقبة أو زوار رم والبترا.
فواز الحجايا، حارس المحطة والقائم على إدارتها، يؤكد أن السكة كانت تعمل لنقل البضائع والمواد من مصنع الفوسفات إلى ميناء العقبة، ويمر القطار سريعاً من السكة التي ما تزال صالحة للاستخدام لغاية الآن على الرغم من أنها مقامة منذ أكثر من مائة عام.
وبحفاوة كبيرة يستقبل الحجايا الزوار، وهو ابن الجرف، الذي يبلغ عدد سكانها حوالي أربعة آلاف نسمة، ويقول "إن الزوار هم فقط من يرغبون بمشاهدة المكان والاطلاع على المبنى التراثي الذي ما يزال محافظاً على هويته، وتحيط به مجموعة من البيوت الطينية القديمة التي كان يعيش فيها مجموعة من السكان من الطفيلة ومعان".
ولكن مع مرور الزمن، عاد كل كل واحد لمسكنه الأصلي، وبدأت البيوت بالتهالك، باستثناء المحطة التي تتكون من طابقين فيها مجموعة من الغرف، وعلى بوابتها ساحة صغيرة، كانت موقفاً للمسافرين الذين كانوا ينتظرون لأيام مرور القطار، للتوجه إلى عمان أو بلاد الشام، بدايات القرن الماضي.
الحجايا يعمل في المحطة منذ عشر سنوات، وأصبح رفيقاً وحاضراً دائماً في المحطة ويعيش تفاصيلها، يراقب غرفها ويحرص على موجوداتها، يستقبل زوراها ويشرح لهم عن السكة والمبنى. ويبين أن المحطة هي جزء من طريق الخط الحجازي، وتم بناء المحطة في العام 1901 ولم يتم إحداث أي تغيير عليها.
ويتحدث السبعيني نايف النسور، أحد زوار المنطقة، عن المحطة وجمالها والحجر الذي تم استخدامه في بنائها، عدا عن البلاط الذي ما يزال موجوداً كما هو، مشيراً إلى أن هذا البلاط يعد من أكثر الأنواع جودة، وهو من حجر الجرانيت الطبيعي الذي يتميز بطبيعته الباردة صيفاً والدافئة شتاءً.
ويعبر النسور عن جمال المكان بإطلالته على مباني القرية القديمة التي أصبحت الآن فارغة بعد أن غادرها سكانها بحثاً عن المكان الأمثل للحياة والرزق، لتبقى المحطة حضرة "وحيدة" في صحراء الجنوب، وعلى بوابة "الجرف" التي يبحث أهلها عن الرزق والحياة الكريمة لهم ولأبنائهم.
وعلى الرغم من أن "محطة الجرف"، كما يسميها السكان، لم يسمع ضجيج قطارها منذ ما يقارب السنة، إلا أنها كانت تعد جزءاً مهماً من سكة الخط الحجازي التي كان العثمانيون قد أسسوها نهايات القرن قبل الماضي، لتكون الجرف محطة من ضمن مجموعة أخرى في الأردن، كما جاء في التدوينات التاريخية، وهي جابر، المفرق، الخربة السمراء، الزرقاء، عمَّـان، أم الحيران (القصر)، اللبن، زيزياء، ضبعة، خان الزبيب، سواقة، القطرانة، المنزل، فريفرة، الحسا، جرف الدراويش، ومن ثم إلى عنيزة، الجردون، معان، وغيرها من القرى التي تصل في النهاية إلى مدنية العقبة وكانت انطلاقة القطار من دمشق.
ويرى سكان القرية في المحطة معلما مهما على الرغم من غياب الاهتمام الرسمي بها من ناحية تطوير البنية التحتية، أو استغلالها لتكون محط أنظار، علها تكون بارقة لتوفير فرص عمل للسكان الذين لا تبعد منازلهم سوى أمتار قليلة عنها.
ودونت كتب التاريخ الأردني، في مجموعة من مراجعها التاريخية، أن محطة الجرف تكمن أهميتها بأنها "حصن متكامل"؛ إذ تتميز بمتانة البناء، وتقع على المدخل الوحيد للطفيلة، وكانت من المحطات المهمة للقوات التركية "العثمانية"، من حيث تزويد صهاريج القطارات، وتوفير الحماية لخط السكة، والاتصال مع العشائر الأردنية في المنطقة، عدا عن أن الجرف آنذاك كانت تُعد سوقا تجاريا لمختلف القبائل التي تقطن في الجنوب.
ويشار إلى أن المحطة هي جزء من خط سكة الحديد التي أسسها السلطان العثماني عبد الحميد الثاني لخدمة حجاج بيت الله الحرام في العام 1900، لتسهيل مسيرة الحج من دمشق إلى مكة المكرمة، وبدأ العمل في الخط في العام 1900، وقد قام مهندس تركي يدعى مختار بك بتحديد مسار الخط، ويقال إن المسار الذي اختاره هو نفسه الذي سلكته قوافل الحج والتجارة منذ القدم.