محل نقاش

بعد توقيع الأردن والسلطة الفلسطينية وإسرائيل على اتفاقية لمد أنبوب بين البحر الأحمر و"الميت"، ليكون بديلا "أردنيا" عن قناة البحرين، شهدنا نقاشا ساخنا في الأوساط السياسية والإعلامية بين معارض ومؤيد للمشروع. رد الفعل المعارض للاتفاقية كان متوقعا لمجرد أن إسرائيل طرف فيه.اضافة اعلان
لكن، وقبل أن تعطل العاصفة الثلجية مؤقتا النقاش حول الموضوع، نشرت صحف إسرائيلية معلومات عن قرب التوقيع على اتفاقية لتوريد الغاز الطبيعي من الحقول الإسرائيلية لشركة البوتاس الأردنية، في خطوة أولية لتصدير الغاز بكميات أكبر لتغطية حاجات السوق الأردنية، وذلك عبر بوابة "البوتاس".
مرة ثانية سنجد أنفسنا أمام إشكالية خلافية ومحيرة. يدرك الجميع، وفي المعارضة قبل الموالاة، حاجة الأردن الملحة للحصول على مصادر رخيصة لتوليد الطاقة، مع الانقطاع المتكرر للغاز المصري، وتراجع الكميات الواردة عما هو منصوص عليه في الاتفاقية الموقعة بين البلدين. لا بل إن المعارضة تعيب على الحكومات عدم التحوط للأزمات، وتوفير مصادر بديلة للغاز المصري. لكن، حين تكون إسرائيل هي المصدر البديل، فإن المواقف تختلف؛ إذ تقفز الاعتبارات السياسية والوطنية إلى الصدارة، وتتقدم على سواها من حسابات.
لكن في النقاشات الدائرة حول مشروع "أنبوب البحرين"، لاحظنا، وربما لأول مرة منذ سنوات، وجود شخصيات وأطراف على استعداد للدفاع عن مشروع تشترك فيه إسرائيل، بالرغم من معرفتها المسبقة بحجم المعارضة الواسعة له، على الأقل في الأوساط السياسية.
في موضوع الغاز الإسرائيلي سيكون النقاش أكثر تعقيدا؛ شركة تديرها مجموعة كندية تبحث عن مصادر طاقة أقل كلفة لتضمن منافسة أفضل في السوق العالمية، "مالنا ومالها". على الأرجح هذا سيكون رد الحكومة على المنتقدين. غير أن جميعنا يعلم أن الحكومة، ولاعتبارات اقتصادية بحتة، تتمنى الحصول على الغاز الإسرائيلي اليوم قبل الغد، لاحتواء "الثقب الأسود" في الموازنة العامة، والمتمثل في فاتورة الطاقة الثقيلة.
لكن الحكومة، ولاعتبارات سياسية، ستلجأ إلى طرف ثالث، وهو في هذه الحالة شركة البوتاس، لتحصل من خلاله على الغاز من إسرائيل، حالما تصبح الأخيرة جاهزة للتصدير، في غضون سنة من الآن حسب تقديرات الخبراء.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن السلطة الفلسطينية تسعى هي الأخرى إلى التزود بالغاز من إسرائيل، نظرا لكلفته المنخفضة.
هناك بالطبع مصادر بديلة للغاز المصري غير المصدِّر الإسرائيلي. وقد تعاقد الأردن على شراء باخرة مصممة خصيصا لاستقبال الغاز في العقبة، وتحويله لمحطات الكهرباء. وفي الوقت ذاته، طرحت الحكومة مؤخرا عطاء لبناء مرفأ خاص في ميناء العقبة، يسمح باستيراد الغاز من دول مثل قطر. بيد أن الحاجة لتنويع المصادر، وبأسعار منافسة، ستكون مدخل الحكومة مستقبلا لتبرير أي اتفاقية مع إسرائيل في هذا المجال.
التحولات الجارية في المنطقة تطرح على دولها وشعوبها أسئلة وتحديات غير مسبوقة، لا ينفع معها الخطاب النمطي السائد. بعد سنتين أو ثلاث، سنشهد خريطة تحالفات جديدة، وشبكة مصالح اقتصادية تجمع أطرافا لم نتخيل أبدا وجودها في مربع واحد. إسرائيل وإيران وتركيا في قلب المشهد الجديد، والعرب على حوافه.
المهم والخطير في الأمر أن شراكة إسرائيل مع دول المنطقة أصبحت موضوعا خاضعا للنقاش. لم تعد "تابو" كما كانت من قبل.

[email protected]